لم يكن “الموقف هذا النهار” يوماً مادة إعلانية تخدم أحداً في الداخل أو الخارج. بل كان ولا يزال مقالة معلوماتية – تحليلية واستشرافية احياناً كثيرة. الدافع إلى هذه الأسطر هو الإعلام البروباغندي المتعلق بالجيش اللبناني في أعقاب “العملية العسكرية الإرهابية” في نظر كثيرين التي استهدفته وبلدة عرسال البقاعية. فبعض هذا الإعلام اعتبر أن الجيش لم يبلِ بلاءً حسناً في أثناء ردّه على الاستهداف وخصوصاً عندما قبل وإن مداورة التفاوض مع الذين احتلوا عرسال، أولاً لاقناعهم بالانسحاب منها إلى الجانب السوري من الحدود. وثانياً لتأمين إفراجهم عن 39 عسكرياً. وانطلق من هذا الاعتبار للقول أنه لم يحسم. والبعض الآخر من الإعلام نفسه كرر اتهاماته القديمة والمستمرة للجيش بالتعاون والتنسيق مع فريق لبناني معين (“حزب الله”) وبتعمّده استهداف كل قوة سياسية أو “عسكرية” ثائرة على النظام في سوريا في أثناء “مرورها” في لبنان للاختفاء أو للمعالجة أو للتخطيط. البعض الثالث من الإعلام نفسه اعتبر أن قيادة الجيش تصرَّفت في أثناء معالجة احتلال “داعش” و”النصرة” بلدة عرسال، انطلاقاً من اقتناعها بأن النجاح يقرّب رأسها من موقع رئاسة الجمهورية الشاغر حالياً.
طبعاً لن نحاول، الآن على الأقل، تناول الإعلام البروباغندي المثلث المفصّل أعلاه لمعرفة الصح فيه من الخطأ. لكن ما سنفعله بدلاً من ذلك هو القول وبكل ثقة إن الجيش فعل في عرسال كل ما في وسعه، إذ حرّرها وأخرج محتليها منها واستعاد مواقعه داخلها وفي جرودها في أيام قليلة وبأقل خسائر ممكنة. علماً أن ذلك لا يعني إطلاقاً الانتقاص من استشهاد الجنود والضباط، ورغم أن استشهادهم لم يُعِد الدور للدولة ولا السلطة التامة على أراضيها. وذلك أمر يُسأل عنه السياسيون والمسؤولون وليس العسكر. فهو لم يكن يستطيع ولا يستطيع في صورة عامة أن يخوض حرباً نهائية على جهة في أي منطقة من لبنان وإن مهِّددة للأمن الوطني حرصاً على وحدته في ظل الانقسامات الداخلية الطائفية والمذهبية. والذين كانوا ولا يزالون يحرّضونه على معركة حاسمة مع هذا الفريق أو ذاك، والإثنان في رأي من يؤيدهما من شعوب لبنانية، لا يضمرون الخير له. في أي حال أخطأ ويخطئ الذين لاموا الجيش في عرسال على اعتقاله عماد أحمد جمعة (الإسلامي)، سواء كان منتمياً لـ”جبهة النصرة” أو لـ”داعش”، وإن استعملوا أحياناً حججاً لمواقفهم مثل أنه كان على اتصال بجهات عسكرية لبنانية متنوعة. فالتحقيقات التي أُجريت معه حتى الآن ومع نحو 11 رفيقاً له أدت معلوماته إلى اعتقالهم أشارت، واستناداً إلى مصادر عسكرية فاعلة ومطلعة، إلى أن “غزوة” عرسال كان الهدف الاساسي منها إشعال فتنة بل حرباً سنية – شيعية في لبنان. وكان جزءاً من خطة تقضي بمهاجمة قرية “اللبوة” الشيعية وربما احتلالها، ومن ثم الانطلاق في عملية إقامة “إمارة إسلامية” في لبنان أو بالأحرى في جزء منه.
هل انتهت قصة عرسال التي توقعناها وآخرون منذ أشهر كثيرة؟
لا يمكن الجزم بانتهائها. فآلاف المسلحين السوريين والعرب والأجانب، وربما يكون معهم لبنانيون، لا يزالون في منطقة القلمون التي لم يحررها النظام السوري إلا جزئياً. ويبدو أنهم أخذوا نفساً من أحداث العراق أخيراً، وأنهم يتمتعون بدعم اقليمي مهم غير مباشر وغضّ نظر دولي مع متابعة دولية دقيقة لحركتهم، وذلك لمنعها من الذهاب أبعد من المسموح به تحت طائلة الضرب. تماماً مثلما يحصل في العراق هذه الأيام. فضلاً عن أن جهات كثيرة تعتقد أن النظام السوري لا يزال يسعى إلى إيقاد حرب في لبنان، وخصوصاً في مناطق محاذية له. ذلك ان نتائج ما يجري حالياً في المنطقة سواء على جغرافيا سوريا والكيانات الأخرى وعلى نواة الدويلات التي تتأسس داخلها خطيرة. والحرب في مناطق متاخمة لمناطقه قد تساعده على أعدائه الذين قد يحاولون التمدد من البقاع إلى الشمال وتحديداً الى بحره (في عكار)، أو على أعدائه المقيمين في شمال لبنان من لبنانيين وسوريين وأجانب.
انطلاقاً من ذلك على اللبنانيين وخصوصاً في الشمال السني، إذا جاز التعبير على هذا النحو الانتباه، وعلى قيادة الاعتدال السني الذي عادت الروح اليه بعد عودة زعيمه الرئيس سعد الحريري إلى البلاد الانتباه ايضاً، والانتباه نفسه مطلوب كذلك من لبنان الشيعي وزعيمه “حزب الله”.