IMLebanon

هل خُطِّط للدفع بجمعة الى حاجز الجيش ونقل المعركة الى العمق اللبناني؟

أبى عيد الجيش هذا العام إلّا أن يُعمَّد بدم ضباطه وعناصره الذين استُشهدوا على يد إرهابيين من «جبهة النصرة» و»داعش» في عرسال، اختاروا فتح جبهة مع الجيش ونقل المعركة إلى داخل البلدة بعدما كانت محصورة في جرود السلسلة الشرقية بين «حزب الله» والجيش السوري من جهة والمسلّحين من جهة ثانية.

لم يأتِ «حساب الحقل مطابقاً لحسابِ البيدر» لجهة حسم معركة القلمون الثانية على السلسلة الشرقية، وتحديداً في جرود عرسال، للقضاء على المجموعات المسلّحة التي عبثت بالبلدة وجوارها.

فبعد الحديث عن خطة يشارك فيها الجيش اللبناني وعناصر «حزب الله» المنتشر في جرود السلسلة الشرقية، إضافة إلى الجيش السوري من جانبه، للحدّ من تحرّكات تلك العناصر التي لجأت إلى جرود عرسال ومحيطها إثر معركة القلمون الأولى، والتي قُدِّر عددها بثلاثة آلاف مقاتل، شهدت الساعات الأخيرة تطوّرات دراماتيكية، كانت ذريعتها توقيف الجيش أحد عناصر «جبهة النصرة» عماد جمعة الملقّب «أبو أحمد جمعة»، وتبعه اعتداءات على الجيش، ما دفعه إلى المواجهة الحتمية مع تلك المجموعات، حيث استُشهد عشرة جنود، عُرف منهم: العريف الشهيد ابراهيم محمد العموري، العريف الشهيد وليد نسيم المجدلاني، العريف الشهيد نادر حسن يوسف، العريف الشهيد عمر وليد النحيلي، العريف الشهيد جعفر حسن ناصر الدين، الجندي الشهيد حسين علي حميه، المجند الشهيد خلدون رؤوف حمود، المجند الشهيد حسن وليد محي الدين والمجند الشهيد محمد علي العجل. فضلاً عن 25 جريحاً.

وقد شَيّعت عكار شهداءها (محمد العجل، عمر النحيلي ونادر يوسف). وبلدة الفاكهة المجند حسن محيي الدين، وبلدة العقبة قضاء راشيا المجند خلدون رؤوف حمود.

وفي وقت نقلت طوافة عسكرية الملازم جاد نخلة إلى مستشفى دار الأمل في بعلبك بعد تعرضه لإصابة في الرأس، شوهدت آليات الجيش تنقل الشهداء والجرحى إلى منطقة عين الشعب بين بلدتَي اللبوة وعرسال، ومنها تتولى آليات الصليب الأحمر نقلهم إلى مستشفيات المنطقة.

القصة الكاملة

رجّحت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» أن يكون التذرّع بتحرير جمعة «فبركة» أرادت منها «جبهة النصرة» إفتعال المعركة مع الجيش، لفتح الجبهة داخل عرسال حتّى تُصبح فرص بقائها أكبر، بعد أن تتحصَّن في البلدة وتتَّخذ من المواطنين دروعاً بشرية، ما يعوق تقدّم الجيش نحوها.

وكشفت المصادر أنّ جمعة ليس قائداً بارزاً في «جبهة النصرة» كما اشيع، على رغم أنّه أحد المنتمين اليها، ورجّحت أن يكون دُفع الى حاجز الجيش مع توقّع القبض عليه لكونه مطلوباً ليتذرَّع بتوقيفه، فيستبق المسلّحون المعركة عليهم بالهجوم على الجيش، مؤكّدة أنّ تلك المجموعات وتحديداً «جبهة النصرة» لا يمكن أن تسمح لقائد فيها بالمرور على الحاجز، وهي تعلم أماكن وجود الجيش اللبناني وحواجزه على أطراف عرسال.

كيف بدأت المعارك؟

فور شيوع خبر توقيف جمعة يوم السبت، دخل عشرات المسلحين السوريين المنتمين إلى «جبهة النصرة» و«داعش» إلى عرسال، من جرودها على درّاجات نارية وسيارات رباعية الدفع محمّلة بأسلحة ثقيلة ومتوسطة، ودارت إشتباكات بينهم وبين عناصر الجيش المنتشر على أطراف البلدة، وتحديداً على حواجز وادي حميد وعين الشعب، ما أدّى الى سقوط عدد من الشهداء والجرحى للجيش.

وتسارعت الأحداث، لينتقل المسلحون من الإشتباك المسلّح، الى خطف جنود من الجيش وقوى الأمن الداخلي، حيث خطفوا بداية 15 عسكرياً، تمكن الجيش بعد ساعات من تحرير إثنين منهم: خلدون خلف من عرسال وعنصر من آل حمود من اللبوة.

بعد ذلك، اشتدت الإشتباكات، وتقدّم المسلحون بسياراتهم إلى مركز فصيلة درك عرسال، ليخطفوا عناصره الـ18، فيما كان آمر الفصيلة المقدّم بشارة نجيم قد غادر قبل وصول المسلّحين.

وعند خروجهم من المركز، تصدّت لهم قوة للجيش موجودة في البلدة، ووقعت على الأثر إشتباكات عنيفة بين الطرفين، ساند خلالها عدد من اهالي عرسال الجيش، ما أدّى الى إستشهاد كمال عز الدين من البلدة والسوري جمال نوح، وإصابة سوري آخر إصابة حرجة. وأكد أحد أبناء عرسال أنّ معظم المسلّحين الذين واجهوا الجيش خرجوا من المخيمات الموجودة في البلدة بسلاحهم الكامل.

وعلى الأثر إستقدم الجيش تعزيزاتٍ إضافية من فوج المجوقل وفوج المدفعية ونفذ عملية إنزال على أطراف البلدة بواسطة ثلاث مروحيات عسكرية، حيث إستمرت الإشتباكات إلى صباح الأحد.

في غضون ذلك، إقتاد المسلّحون عناصر قوى الامن الداخلي الى منزل مصطفى الحجيري المعروف بـ«أبو طاقية»، وطلبوا منه المطالبة بوقف إطلاق النار على عرسال وإطلاق جمعة لإطلاق العسكريين، وفي وقت أطلق أحد العناصر عبد الرسول كرنبة من عرسال، بقي مصير 13 عنصراً من الجيش مجهولاً.

وعُرف من بين عناصر قوى الأمن الداخلي المحتجزين: بيار جعجع، طانيوس مراد، خالد صلح، سامر خليل، كمال مسلماني، محمد طالب، نادر الديراني، علي البزال، عباس مشيك، نيمون جابر، صالح البرادعي، ايهاب الاطرش، لامع مزاحم، محمد البريدي، دياب عمر.

«النصرة» تتخذ من المدنيّين دروعاً

وشهدت ساحة المعركة تطوّرات ميدانية في اليوم الثاني للمعارك، حيث إرتفعت وتيرة الإشتباكات وانتشر عناصر «جبهة النصرة»، في شوارع البلدة وأزقتها بالسيارات الرباعية الدفع المحمّلة أسلحة ثقيلة ومتوسطة، وجاب عشرات المسلّحين الطرق متخذين من المنازل والمواطنين دروعاً بشرية. وعلى الأثر دارت إشتباكات بين الجيش والمسلّحين في منطقة رأس السرج وعين الشعب ووادي حميد ووادي الحصن، حيث تصدى الجيش لهم واستعاد النقاط التي كان سيطر عليها هؤلاء، مدعوماً بالمدفعية التي قصفت مراكز المسلّحين، وأجبرتهم على التراجع مكبّداً إياهم عدداً من القتلى.

وتصاعدت حدّة الإشتباكات بعد ظهر أمس، وتردّدت أصوات القذائف المدفعية الى القرى المجاورة، وإستقدم الجيش تعزيزات إضافية من ملّالات وعناصر وآليات تابعة لفوج المجوقل واللواء الثامن، وبدأت مدفعيّته المركّزة في بلدات رأس بعلبك واللبوة والعين، قصفاً عنيفاً لتلال رأس السرج ووادي الحصن وعين الشعب التي تمركز فيها المسلّحون، مطلقين النار على مراكز الجيش. وتركّز القصف كذلك على المنطقة التي يتحصَّن فيها مصطفى الحجيري الذي احتجز عناصر قوى الأمن الداخلي، وادّى رصاص القنص الذي أطلقه المسلّحون الى إستشهاد الشاب محمد قاسم الفليطي (19 عاماً) بينما كان موجوداً أمام منزله.

وأدّى القصف المدفعي الى سقوط عدد من القذائف في جوار مستشفى «أبو طاقية» الميداني، وتحديداً قرب منزل حسن نوح وإصابة أربعة أشخاص بينهم طفلان سوريان، فضلاً عن إحتراق إحدى السيارات واشتعال النار في سيارة أخرى قرب المدرسة النموذجية. وأدّت القذائف الى إحتراق مخيم أم الشهداء الذي يقطنه نازحون ومقتل إمرأة وجرح ثلاثة آخرين.

معارك متنقّلة

بعد ذلك، شوهدت سحب الدخان الأسود تتصاعد من مركز الجيش اللبناني «ل83» الموجود قرب مهنية عرسال الرسمية، حيث دارت إشتباكات بين المسلّحين والعناصر الموجودة فيه وإستمرت أكثر من ساعتين، تدخّلت إثرها قوّة من فوج المجوقل معزّزة بآليات عسكرية وملالات، تؤازرها قوّة من فوج المدفعية، وتمكن خلالها الجيش من إستعادة السيطرة على المركز وإبعاد المسلّحين، بعد سقوط عدد من الجرحى في صفوفه.

ووصلت تعزيزات كبيرة ومؤلّلة من فوج مغاوير البر في الجيش إلى تخوم بلدة عرسال بعدما كانت توجّهت السبت إلى مركز رأس بعلبك، ما أشار إلى توجّه الجيش لحسم المعركة داخل البلدة.

توازياً، إرتفعت وتيرة نزوح الأهالي من البلدة بعد ظهر أمس في إتجاه قرى البقاع الأوسط وبيروت، وترافقت مع قنص طاول سيارات المدنيين الهاربين ما أدّى الى تضرّر عدد منها. وشهدت عرسال إقفالاً تاماً وسط دعوات إلى الوقوف إلى جانب الجيش. من جهته، كثف «حزب الله» من إنتشاره في جرود السلسلة الشرقية والقرى المجاورة، تحسباً لأيّ هجوم قد ينفّذه المسلّحون على هذه القرى.

من هو جمعة؟

هو من مدينة القُصير في ريف حمص، وقد إنضم الى صفوف التنظيمات الاسلامية ومنها «جبهة النصرة»، وعُيّن قيادياً في ما يسمّى «لواء فجر الاسلام» في حمص، وبعد إعلان «داعش»، أعلن ولاءه لأبو بكر البغدادي، ثم فرّ من القُصير بعد سيطرة الجيش السوري عليها وانتقل الى القلمون وتحديداً الى تخوم جرود عرسال، حتى قبض عليه حاجز الجيش في جرود المنطقة. وكان جمعة قد بايع «الدولة الاسلامية» منذ شهر وفق معلومات نشرت عبر مواقع «جهادية».

نداء استغاثة

توازياً مع حدّة المعارك، إستحدث الصليب الأحمر اللبناني مركزَ إسعاف في بلدة اللبوة، يضمّ عشر سيارات إسعاف، وخمسين مسعفاً. وأشار إلى أنّ المسعفين يشكون من صعوبات تواجههم في الدخول إلى عرسال لإجلاء الجرحى والمصابين المدنيين.

بدوره، أكّد اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان خطورة ما يجري وأثره في حياة عشرات الآلاف من النساء والأطفال من أهل عرسال ومن اللاجئين السوريين فيها. وقال: «اضطُررنا إلى إخلاء خمسة من مخيماتنا التي تضمّ 500 عائلة سورية لاجئة بسبب القصف والاشتباكات الدائرة، بينما أُخليت خمسة مخيمات أُخرى معظمها عشوائية وتمّ قصف بعض المخيمات وهناك قتلى وجرحى فيها، كما احترق مخيم عشوائي فيه 60 خيمة بالكامل بعد سقوط قذيفة عليه، ما يعني وجود 1200 عائلة بلا مأوى».

ولفت الى دخول «36 جريحاً ليلة السبت الى مستشفى الرحمة في عرسال ومعظم الإصابات من النساء والأطفال»، مشدّداً على أنّ «الطرق مغلقة الى البلدة ولا مجال لإدخال المساعدات الغذائية اليومية لآلاف العائلات التي تعيش على المساعدات الانسانية». وأفاد بأن 1200 عائلة على الأقل معظمها بلا معيل باتت في الشارع بلا مأوى والعدد مرشح للارتفاع بقوّة.

وناشد الإتحاد المعنيين في الدولة اللبنانية والمقاتلين «إعادة الأمن والهدوء والنظام إلى البلدة، وتجنيب المدنيين والمراكز الإنسانية والطبية أيّ أعمال حربية أو مظاهر مسلّحة، وفتح ممرات إنسانية عاجلة لإدخال المؤن والأدوية وإخلاء الحالات الصعبة من الجرحى».

«النُصرة» تنفي تورّطها

وإبان المعارك، أعلنت «جبهة النصرة» أنّ مجموعات عدة اشتبكت مع بعض النقاط الحدودية بعدما اعتقل أحد قادتها محمود جمعة «حسب الأنباء»، وليس له أيّ صلة بالجبهة. وبعدما سيطرت هذه المجموعات على بعض نقاط للجيش، قام الجيش بدوره بالقصف العشوائي أو الممنهج على المخيمات ومن ثم داخل البلدة ما أدّى الى مقتل وجرح العشرات».

وقالت: «قمنا بدورنا ودخلنا إلى عرسال لمعالجة الوضع وإسعاف الجرحى ولم نشتبك حتى اللحظة مع الجيش مباشرة»، مؤكدة «أننا مستعدون للخروج من عرسال إذا عولج الوضع بأسرع وقت ممكن، وأننا ما خرجنا إلّا لإقامة شرع الله ونصرة المستضعفين».

من جهته، دان الائتلاف الوطني السوري «الهجوم الذي نفذته مجموعة مسلّحة على عناصر من الجيش اللبناني في عرسال». وأكد «ضرورة احترام سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها واستقرارها، وأهمية عدم زجّ لبنان في المعارك القائمة في سوريا بين القوات النظامية والمعارضة»، معتبراً أنّ «ذلك لا يخدم الثورة السورية وثوابتها». وشدّد على أنّ «مشاركة «حزب الله» في سوريا «خلقت فوضى على الحدود اللبنانية السورية أغرت البعض بالسعي إلى انتهاك سيادة لبنان وزعزعة أمنه واستقراره».