أرخى رد الرئيس سعد الحريري على العماد ميشال عون ظلالا قاتمة على الحوار الذي انطلق بين الرجلين منذ أشهر. كان الحريري واضحاً وحاسماً في التأكيد أنه لا يحتاج الى أمن سياسي، بل هو اعتبر أنه لا يجوز للجنرال أن يقول له ما قاله.
صحيح أن أياً من الزعيمين لم يمتلك بعد جرأة نعي تجربة التواصل المشترك، لكن ما يبدو واضحاً هو أن الحوار بينهما وصل الى منعطف دقيق، بعدما ضاق هامش المناورة كثيراً واقتربت لحظة الحقيقة، حيث يفترض أن تُحسم الخيارات النهائية، لا سيما في ما خص الموقف من الاستحقاق الرئاسي.
وإذا كان قد سبق لشخصيات عدة في تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» ان أكدت أن الحريري ليس بوارد دعم وصول الجنرال الى رئاسة الجمهورية، فإن عون يعتبر نفسه غير معني بما يصدر عن هذا اوذاك، مصرّاً على أن يسمع الإجابة من الحريري مباشرة، وليس من أحد غيره، «لأن رئيس تيار المستقبل، وحده يعرف حقيقة ما دار بينه وبين الجنرال، ووحده يدرك طبيعة الالتزامات المتبادلة…».
ويبدو أن كلام الحريري من باريس هو بمثابة «نصف إجابة»، ضخّ ما يكفي من الإشارات السلبية صوب الرابية، حيث يسود انطباع بأن الجنرال أعطى الحريري أكثر مما كان الأخير يتوقع، سواء على مستوى تسهيل ولادة الحكومة الحالية التي يتمثل فيها «المستقبل» بحضور وازن كمّاً ونوعاً، أو على مستوى البيان الوزاري الذي سحبت منه معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، في حين ان رئيس تيار «المستقبل» لم يستطع الإيفاء بما تعهد به لاستكمال «سلسلة» التفاهم والتفهم، على صعيدي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب.
في كل الحالات، لم يفاجئ رد الحريري على عون أولئك الذين لم يتوقعوا منذ البداية ان يحقق الانفتاح المتبادل نتائج إيجابية، وتحديداً في ما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية. وبالتالي فهم يرون ان الحملة السياسية العنيفة التي استهدفت عون بعد كلامه حول الأمن السياسي للحريري، إنما جاءت لتعكس تضاؤل آمال أصحابها بتحقيق الغايات غير البريئة للمفاوضات مع الجنرال.
يعتقد المرتابون في نيات زعيم «المستقبل»، ان هدفه الاساسي والمضمر من الحوار مع الجنرال هو إحداث شرخ في العلاقة بينه وبين «حزب الله» ودفع كل منهما الى الشك في الآخر، وصولا الى تعطيل مفعول تحالفهما، وتجريد الحزب من غطاء مسيحي حيوي.
وفق هؤلاء، تعمّد الحريري إطالة أمد الحوار وإيهام الجنرال بإمكانية حصول صفقة كبرى معه، سعياً الى استدراجه نحو الابتعاد قدر الامكان عن السيد حسن نصرالله، على قاعدة انه إذا اراد ان يكون رئيساً وفاقياً، فيجب أن يقف على مسافة من خيارات الحزب، لا سيما بالنسبة الى الأزمة السورية وخيار المقاومة.
كان الحريري يفترض، تبعاً لاعتقاد «المتوجسين»، ان «حزب الله» لن يكون مرتاحا الى الحوار بين عون وتيار «المستقبل» وما يمكن ان يرتبه من التزامات برتقالية في مقابل الرئاسة. وفي ظن هؤلاء، ان الحريري كان يرغب في المضي بهذا «الحوار الرمادي» أطول وقت ممكن، لعله يرفع منسوب ارتياب الحزب في عون، أو أقله يضفي شيئا من البرودة على علاقتهما.
ويفترض أصحاب هذه القراءة في «فنجان» الحريري، ان إخفاق حساباته هو الذي جعله يخاطب عون بلغة جافة ردا على نظرية الامن السياسي، برغم انه كان قد سمع من الجنرال شيئا مشابها، خلال لقائهما، ما يعني ان عليه ألا يتفاجأ بما أدلى به الجنرال علنا.
وبناء على التجربة، يؤكد العارفون بطبيعة العلاقة بين نصرالله وعون، انها تنطوي على قدر من العمق والمناعة، كان كافيا لتصمد امام زلزال حرب تموز 2006، فكيف باختبار سياسي من النوع القائم حاليا.
ويجزم العارفون ان «السيد» أبلغ الجنرال منذ البداية ان الحزب يثق فيه وانه مستعد لتفهم، بل تسهيل، كل متطلبات إنضاج خيار انتخابه رئيسا للجمهورية، وبالتالي فقد تُركت للجنرال حرية التصرف والذهاب الى أبعد مدى ممكن في حركته، وفق ما تقتضيه مصلحة معركته الانتخابية.
هل يعني ما سبق ان الحوار بين عون والحريري انتهى عمليا؟
يعتقد المطلعون ان الحوار قد يستمر لاعتبارات تتعلق بطرفيه، لكن آفاقه تبدو مسدودة حاليا، في انتظار «كوّة» إقليمية، قد تعيد خلط الأوراق والأحجام.