IMLebanon

هل قلتَ «مواطن لبناني»؟

يتنافس فقراء لبنان وفقراء اللاجئين السوريين على أرزاق الحد الأدنى، فيعلن اللبنانيون وطنيتهم علّها تحفظهم من المنافسة في خدمات النقل والعمل الزراعي والتجارة الصغيرة، ويصل الأمر ببعضهم إلى رفع علم لبنان على بسطة صغيرة لبيع ثياب مستعملة. عدا ذلك لا تسمع كلمة «وطنية» في لبنان الغارق في استقطاباته الطائفية والإقليمية، والذي يغفر لطبقته السياسية فشلها في تجديد المؤسسات الدستورية وتداولها، بحيث صار وطن الأرز اتحاداً لممالك طائفية تقبض على حصصها في إدارة هذا الاتحاد، وتصل الى تأبيد «يستحقه» هذا الزعيم أو ذاك لصموده في عواصف لبنان ومحيطه الجغرافي.

تعلّق الطبقة السياسية اللبنانية فشلها على شماعة ضغوط الإقليم والدول الكبرى، وقد أدمنت هذه الأعذار منذ نشوء الجمهورية وبعد نيل الاستقلال والتخلص من وصاية المندوب السامي الفرنسي. كانت سورية ومن بعدها ومعها القضية الفلسطينية تشكلان معظم الضغوط على القرار اللبناني المستقل، وقدّم نظام الطائفية السياسية القاعدة الفضلى لاستناد الزعماء إلى قوى خارجية يخدمونها وتخدمهم، حتى أن العهد الشهابي ناب عن هؤلاء ومارس لعبتهم حين أعطى رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبدالناصر سياسة لبنان الخارجية في مقابل إطلاقه يد الرئيس اللبناني في السياسة الداخلية وإنشاء إدارات وطنية حديثة مثل مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي، ولم يجد فؤاد شهاب سوى الجيش الذي كان قائداً له، حافظاً للإدارة من تدخلات الزعماء. وما أدراك ما الجيوش واستخباراتها وعبثها الأكثر ضرراً من عبث زعماء الطوائف.

يعيش لبنان منذ عشرة أيام بلا رئيس للجمهورية، ويتولى التشريع برلمان فشل في سن قانون انتخابات ومدّد لنفسه محتفظاً بالشروط التي تشلّ عمله، نعني خوف الزعماء الرئيسيين من انتخابات قد تضعف تمثيلهم في البرلمان المقبل.

وتتولى السلطة التنفيذية في غياب رئيس الجمهورية حكومة وُلدت بعد عُسر دام عشرة أشهر، هكذا بسحر مفاجئ من الإقليم والدول الكبرى. ولأنها حكومة ائتلاف فإن عناصر تفككها جاهزة في أي وقت. قال النائب المخضرم إن قوى الإقليم والعالم هي التي تحفظ لبنان، ولو ترك الأمر لزعمائه لوجب ان نضع ايدينا على القلوب مترقبين الانفجار الكبير.

تطغى على اللبنانيين حال شيزوفرينيا بين حيويتهم المدنية وعصبيتهم السياسية، ولكن، هناك ثقة بالرئيس تمام سلام وإحساس بأن زعماء الطوائف، مالكي لبنان، لن يحطموا أملاكهم بأيديهم. عدا ذلك مشكلات حقيقية ووهمية. الحقيقية هي الوضع الاقتصادي المتردي وعبء حوالى مليون ونصف المليون نازح سوري. أما المشكلات الوهمية فهي السجال حول إقرار مراسيم الحكومة بالإجماع وبتوقيع الوزراء جميعاً أم بالأكثرية كما هو العرف. الدستور ليس واضحاً في هذا الشأن لذلك يبدو العرف منطقياً.

ولبنان الذي ينتظر رئيساً جديداً، قد يطول انتظاره، لأن الإقليم والعالم منشغلان بما هو أكثر أهمية. تكفي الرعاية والضغط لحفظ حد أدنى من الأمن للبنانيين ولضيوفهم المفروضين.

اما الوطنية اللبنانية فهي علم مرفوع على قصر جمهوري خاوٍ، وآخر مرفوع على بسطة بائع فقير يستقوي بكونه مواطناً لبنانياً. هل قلتَ «مواطن لبناني»؟ لا أحد يسمع، وإن سمع لا يُدرك معنى قولك.