مبادرة ميشال عون الانقاذية بين المنتقدين الكثيرين لها والقليل من المؤيدين والداعمين لها، لا تزال تحتل هامشاً واسعاً في التداول السياسي وفي كلام الصالونات وكواليس الطباخين والعاملين على خط الرئاسة. صحيح ان الجنرال طرح مبادرته ومشى إلا ان سقف ردود الفعل عليها لم يتوقف بعد، وليس سراً تقول مصادر مقربة من الرابية ان الطرح العوني تعرض ولا يزال لهجوم وسيل من الانتقادات خصوصاً من قبل من ينتظرون عون على «الكوع الرئاسي» ومن يضعون العصي في دواليب وصوله الى قصر بعبدا، وحتى من الوسطيين الذين لم يفقهوا موجبات واسباب الدعوة العونية لانتخاب رئيس من الشعب إلا على انها السبيل الوحيد امام عون للوصول الى كرسي الرئاسة، في حين ان الدعوة لانتخابات بموجب قانون «كل طائفة تنتخب نوابها»، ما هي إلا طريقة لتصحيح الخلل التمثيلي للمسيحيين وتكريس مرجعية الرابية في الوسط المسيحي.
وإذا كان ضجيج المبادرة لم يهدأ بعد على اساس انها خطوة ناقصة وفي غير اطارها وزمانها الصحيحيين على وقع قرقعة طبول «داعش» والارهاب فيما كان من الأفضل على زعيم الرابية برأي المنتقدين ان ينزل الى مجلس النواب ويشارك في جلسات الانتخاب فلا يطير النصاب، وإذا كان ايضاً ثمة من يرى فيها محاولة لتغيير النظام اللبناني ولضرب النظام البرلماني والجمهوري بانتخاب رئيس من الشعب مباشرة، فان لدى مؤيدي الجنرال على قلتهم قناعة بان المبادرة كان يمكن لها ان تفتح ثغرة او نافذة في الجدار الرئاسي المغلق، خصوصاً ان الانتخابات الرئاسية سدت آفاقها ومنافذها وبات مؤكداً ان الملف الرئاسي يخضع للتجاذبات الإقليمية والدولية ولهيمنة الدول المتصارعة في المنطقة، وبالتالي فان انتخاب رئيس من الشعب يحرر الملف من التدخل الدولي فيه. لكن هل كان يمكن للمبادرة لو كتب لها الحياة ان تنقذ الاستحقاق الرئاسي؟ بدون شك تؤكد المصادر ان المبادرة كان يمكن ان تكون أكثر قبولا لولا ان دعوة عون الرئاسية لم تقترن بالانتخابات النيابية على اساس «كل طائفة تنتخب نوابها»، وهو القانون الذي أثار جدلاً كبيراً في كل الأوساط التي رفضته وحاربته الى حد إقصائه والقضاء عليه في المرحلة السابقة. وبرأي المصادر فان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير أخطأ بطرحه الذي لم يحصل تنسيق في شأنه مع الحلفاء لجملة اسباب، بدليل ان رئيس المجلس النيابي اعطى اشارات سلبية ومبطنة حول رفضه الطرح العوني سواء ما خص المبادرة الرئاسية او الطرح النيابي، في حين ان حزب الله على عادته لم يصدر اي موقف يزعج الجنرال بدون ان يعني ذلك ان حارة حريك يمكن ان تلاقي عون في طرحه.
على ان مبادرة عون مع مضي بعض الوقت عليها يمكن استنتاج انها كسرت الجمود واناطت اللثام عن بعض الحقائق المبهمة، فالمبادرة يمكن ان يفهم منها ان الحوار بين المستقبل والرابية في الموضوع الرئاسي وصل الى الطريق المسدود والى نقطة اللاعودة الى المربع الأول، وإلا لما كان عمد الجنرال الى «زكزكة» سعد الحريري بالقانون الأرثوذكسي الذي لاقى حملة شرسة من المستقبل عليه في حينه.
ان الجنرال تضيف المصادر اراد القول للاعبين المحليين «تعالوا نلعبها» بالاشارة الى الانتخابات الرئاسية فيما بيننا، من اجل عزل الخارج الذي يدير الانتخابات والاستحقاقات اللبنانية، وسعى الى حشر هؤلاء ورمي كرة التعطيل عن كاهله اليهم، ومن جهة اخرى فان زعيم الرابية قام بالمزايدة على زعيم معراب عندما ذهب في الموضوع المسيحي الى حيث لا يجرؤ جعجع خوفاً من إغضاب «تيار المستقبل» سواء في القانون الارثوذكسي او انتخابات الرئاسة، وبالتالي فان عون كسب نقاطا كثيرة في الوسط المسيحي، فالقانون الأرثوذكسي هو أكثر ما يرضي المسيحيين وانتخاب رئيس من الشعب مباشرة على غرار ما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول حلم لبعض المسيحيين. اما الأهم من ذلك فهو ان عون سعى من المبادرة الى الحصول على براءة ذمة في الملفين الأكثر حساسية واهمية لدى المسيحيين، بأنه لا يعطل الاستحقاق الرئاسي وبالعكس يدعو الى أكثر الأساليب الديمقراطية بالانتخاب، كما يكرس من خلال الأرثوذكسي عودة التمثيل المسيحي الصحيح.