اتخذت مواجهات «عض الاصابع» بين الحكومة وخاطفي العسكريين منحى خطرا على حد قول مصادر متابعة للملف، مع تاجج العصبيات المذهبية المتحركة على ايقاع ممارسات «داعش» ومفاجآتها اليومية، واضعة البلد على فوهة بركان، في «حرب اوراق» بدأت ترتد على لبنان، وسط معطيات عن تحول دور ابو طلال الى مجرد دور تنفيذي بعد انتقال القرار في ملف العسكريين الى «ابوعبد السلام السوري» «والي دمشق – قاطع القلمون»، والكشف عن وجود مقبرة لدى «داعش» تضم جثث ثلاثة جنود لبنانيين استشهدوا خلال عمليات القصف وتمكن المسلحون السوريون من سحبهم ، علما ان الجيش اللبناني تحدث في حينه عن مفقودين لكنه لم ينع احدا منهم، فيما يسوق البعض لعملية عسكرية لتحرير الاسرى، ستكون كلفتها غالية جدا في حال نجحت، وما التجربتين الاميركية والبريطانية سوى خير دليل.
من هذه الحقائق يمكن الاستنتاج تضيف المصادر ان ذبح الشهيد مدلج وضع الدولة اللبنانية امام خيارين بالغا الصعوبة، الاول قد يؤدي الى تفكك الحكومة اذا ما قررت الاستجابة للشروط، المرفوضة من حزب الله تحت طائلة اتخاذ الاجراءات اللازمة المضادة ، ما دفع بوزير الداخلية الى الغاء سفره الى الدوحة بعد تبلغه تقارير أمنية غير ايجابية، والثاني يتمثل في استدراج الجيش الى مواجهة عسكرية مع الجماعات المتطرفة التي تهدد حدود لبنان الشرقية والشمالية تحت عنوان رفض المفاوضة والمقايضة حفاظا على هيبة الدولة ومعنويات الجيش، بحسب المصادر، في معركة ليست بحسب توقيته ولا في حساباته، بل مفروضة عليه بتوقيت القوى الاقليمية التي لعبت دورا ومازالت في توريط لبنان بالازمة السورية كما في توريط الجيش بأزمة عرسال.
من هنا كان توجه الحكومة إلى توسل حلول خارجية، بحسب المصادر، تحاشيا «للفخين»، لإنهاء أزمة العسكريين المخطوفين التي اصبحت أسيرة الوساطة الاقليمية المعقدة، لا سيما القطرية، التي فشلت في تحقيق اي خرق، والتركية الرافضة التجاوب مع الطلب اللبناني بالتدخل، للضغط على الخاطفين، في ظل تسريبات عن مطالب لا يمكن أن تكون صحيحة أو على الاقل غير قابلة للنقاش، كفتح ممر آمن لنقل اللاجئين السوريين الى مخيمات في تركيا، مرورا باخرى منطقية يمكن الحكومة أن تتفاوض عليها، حيث تدحرج الامل من اطلاق سريع للمحتجزين الى الحصول على ضمانات بالتوقف عن تصفيتهم، وصولا الى تحريرهم مع الحفاظ على الحد الأدنى من هيبة الدولة.
الا ان حسابات حقل الرئيس تمام سلام تقول المصادر المتكئ على الخيار الثالث المتمثل في الذهاب الى الدوحة واسطنبول، لم تنطبق على حساب البيدر، من حيث ان احدا لا يدري الى اين قد تذهب الامور. فعرسال بتشعب فصول أحداثها ما عادت تحتكر المشهد الأمني، إذ ان البقاع كله معرض، من حادثة التعرض للجيش بين القاع ورأس بعلبك ، الى عمليات الخطف والخطف المضاد والتهديد بالذبح، وصولا الى الشمال محور الرصد والمتابعة، والوثيقة التي سربت عن دخول مجموعة من السوريين إلى التبانة بنية اشعال فتنة طائفية تدل إلى دقة الوضع، والكشف عن هوية منفذ عمليتي نحر الجنديين السيد ومدلج ، وهو اللبناني الطرابلسي كامل بلال عمر ميقاتي الملقب بأبي هريرة الميقاتي، من مواليد عام 1994، السلفي الجهادي المبايع للدولة الإسلامية في العراق والشام، مؤسس اول خلية «داعشية» في الشمال الى جانب والده الموقوف السابق في سجن رومية، المطلوب بمذكرات توقيف لمشاركته في عدد من الأعمال الأمنية شمالي لبنان، والذي شوهد قبل معركة عرسال بأسبوعين في إحدى المناطق الشمالية، ثم اختفى ليظهر في فيديو القاء القبض على أحد الجنود وفي شريط ذبح الرقيب السيد في جرود عرسال.
المصادر ابدت تشاؤمها حيال ملف العسكريين الاسرى معتبرة ان لعبة الوقت تعقد المفاوضات والحلول وتصعد مطالب الخاطفين، وبالتالي فان المطلوب حاليا عدم ترك الأمور تتجه نحو التفلت في الشارع، باعتبار ان هناك أطرافاً عدة قد تكون مستفيدة من انهيار الوضع الامني وما لذلك من انعكاسات سلبية على وضعية العسكريين المخطوفين أولاً، وعلى الوضع العام في البلاد وخطورة الانجراف الى الفتنة الطائفية والمذهبية، لذلك، ترى المصادر ان هامش المناورة أمام الحكومة ضيق كما عامل الوقت الذي يصب في عكس مصلحتها، خصوصا ان الرهان على المسعى القطري لن يفيدها بشيء، طالما أن خطورة المفاوضات هي خارج حدود المبادرات المطروحة، في ظل غياب المعطيات الدقيقة لدى المعنيين عن سبب إقدام «داعش» على ذبح مدلج في وقت كانت الأنباء عن وساطة قطر، تشير الى نجاحٍ في انتزاع موافقة التنظيميْن الخاطفيْن للعسكريين على تجميد اي عملية تصفية لأيّ من الاسرى في انتظار ردّ بيروت على مطالب الخاطفين.
اوساط مواكبة للجهود والمشاورات المتواصلة، اشارت الى ان البلاد تشهد حركة اتصالات كثيفة في كل الاتجاهات الداخلية والإقليمية سعياً لاحتواء الوضع المحتدم في الشارع وتداعياته، حيث عمدت الفعاليات البقاعية من حزب الله وحركة أمل وشخصيات وعشائر، الى تطويق التوترات ومنْعها من التحول الى صراع مذهبي، ومنْع ردات الفعل والحؤول دون تفاقمها او تحوّلها معركة بين قرى البقاع السنية والشيعية، ما قد يقدم ذريعة اضافية للخاطفين للاقدام على جريمة جديدة من جهة ، ومن اجل محاولة الحكومة اعادة الإمساك بزمام الوضع واتخاذ القرارات الصعبة التي تمليها مواجهة هذه المسألة التي باتت في مستوى مصيري تماماً، من جهة ثانية، حيث علم ان تعليمات مشددة صدرت الى الوحدات العسكرية لاتخاذ اللازم وعدم السماح بادخال البلاد تحت حجة الانفعال في نفق لا خروج منه، لافتة الى ان سجن رومية شهد توترا بين السجناء على خلفية مذهبية.
وتتابع الاوساط ان قيادة حزب الله طلبت من المسؤولين التعالي عن الحسابات السياسية الضيّقة، والبدء في تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق الاسلاميين الموقوفين، رغم ان قوى 14 اذار لا تريد ذلك والحكومة والوزراء يتخاذلون حيال هذا الامر وكذلك الراغبون في الوصول الى رئاسة الجمهورية، والا فان البلاد ستكون أمام خطر التقسيم، ويَتحقّق لـ «داعش» ما لم تستطع الحرب الاهلية تحقيقه، لان لا طائل من قطع الطرق وحرْق الدواليب، وتالياً على الحكومة المواجهة او ترْك المجال لمَن يستطيع ان يحمي البلاد من حرب طائفية.
الخطوات «الداعشية» المدروسة بدأت تؤتي ثمارها تؤكد المصادر، من الحرب النفسية على الأهالي و«اجبارهم» على التهجم على الدولة اللبنانية والمقاومة تحت طائلة ذبح ابنائهم، إلى التفاوض بالواسطة على «الحامي» تحت حد السكين، وما بينهما شروط عنوانها لائحة مطالب قدمت إلى الموفد القطري، السوري الاصل، وصولا الى نقل المعركة الى الداخل اللبناني عبر تفجير الفتنة المذهبية التي اولى بوادرها تجلت في عمليات الخطف والخطف المضاد والتهديد بالذبح على الهوية، في مناطق شهدت توترات طائفية في الفترة الماضية، ما يدخل البلاد في متاهات تكاد لا تنتهي.
فالفارق بين المعطيات والآمال التي ترقى إلى مستوى الاوهام، يكشف بحسب المصادر ان المسلحين لا يلتزمون لا خطوط حمر ولا تعهدات، ما يجعل مهمة الوساطة أكثر تعقيدا، وما يجعل مهمة خلية الأزمة اللبنانية تدور في حلقة مفرغة، ما يطرح سلسلة من أسئلة لا تحصى ولا تعد في زمن بات الاجرام فيه تغريدة على مواقع التواصل: فما نفع الوساطات الخارجية؟ وأين الضمانات التي حكي عنها في شأن سلامة المخطوفين؟ وما نفع التفاوض على حد السيف؟
«معادلات» يعجز وزراء 14 آذار الرد عليه، وجوابها بالنسبة لفريق 8 آذار يكمن في الحكمة من ايلاء هذه المهمة لقطر التي تستطيع اقناع الخاطفين بصرف النظر عن المقايضة بالسجناء عبر المقايضة مع امور اخرى اقرب منالا، الا انها بكل الحالات لا تقنع ذوي العسكريين المخطوفين الذين تساءلوا كيف يمكن المفاوضة دون مقايضة؟ فالمفاوضات تنتهي بأخذ وعطاء، اي بمقايضة، والا على ماذا يتفاوض المتفاوضون؟