القوى الاقليمية والدولية تنتقل من التخويف بتنظيم داعش الى الخوف منه. فما كان تحركه وتحريكه في المنطقة ضمن قواعد اللعبة صار صعوده السريع في العراق وسوريا بداية تغيير اللعبة. وما كان من الثوابت في مواقف العواصم جعله خطر داعش من المتغيرات. والكل يقف أمام معادلة دقيقة في الحرب على الارهاب: هزيمة داعش عسكرياً وأمنياً لن تكتمل من دون معالجة العوامل والأسباب التي أدت الى ظهوره ثم صعوده.
وليس ما فعله خطر داعش من عجائب في تبدل الخطاب والمواقف والبحث عن التسويات والتنازلات سوى بداية. من التخلي الايراني والاميركي عن نوري المالكي لتأليف حكومة ترضي الجميع في العراق الى بدء الحوار بعد القطيعة بين ايران والسعودية. ومن تقدم الرئيس باراك اوباما البارد والمتردد نحو قيادة تحالف اقليمي ودولي لمحاربة داعش الى مطالبة محور الممانعة ومعظم الدول العربية والاسلامية بالتدخل العسكري الاميركي. وليس صدفة أن تعاود موسكو ودمشق الحديث عن حل سياسي في سوريا خلال اتصال هاتفي بين الوزيرين وليد المعلم وسيرغي لافروف، بعد اشهر من انهيار جنيف -٢ واستقالة الأخضر الابراهيمي واعادة انتخاب الرئيس بشار الاسد.
والسؤال هو: ماذا عن لبنان الذي لم يعد خطر داعش عليه مسألة نظرية؟ هل يعود الى ما كان اساس اللعبة فيه: التسويات؟ هل ينتقل من الاستقطاب الحاد والوقوع يوميا في حوادث تهدده بالفتنة الى مواجهة الاخطار بموقف وطني؟ والى أي حد يمكن الحديث عن حظ لمبادرة قوى ١٤ آذار؟
المبادرة ليست جديدة، بل هي اعلان بالجملة لما قيل بالمفرق: الاستعداد للتفاهم على مرشح تسوية، بعدما صار واضحاً انه لا قوى ١٤ آذار تستطيع ايصال الدكتور سمير جعجع، ولا قوى ٨ آذار تستطيع ايصال العماد ميشال عون. ومنطق المبادرة هو ما بدأنا نسمعه من الجميع عن ضرورة الخروج من المواقف الجامدة لمواجهة خطر داعش عبر اجراءات متعددة، أهمها: انتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل عمل المؤسسات واجراء الاستحقاق النيابي وضمان اقوى مظلة سياسية للجيش. ولكن، هل هذا هو الواقع؟
ليس من المتوقع ان يتخلى العماد عون عما يعتبر انه حق له. ولا أحد يعرف متى يبدل حزب الله حساباته أو ان كان تبديلها وارداً. لكن المناخ في المنطقة التي ترتبط بما يحدث فيها هو مناخ تسويات وابتعاد من تحقيق أي محور نصراً على آخر. والرئاسة في لبنان اليوم هي دور للمصالحة وحماية الجمهورية والاهتمام بهموم الجمهور. دور لا يقوم به الا رجل حوار وانفتاح ومعرفة بلبنان والمنطقة والعالم تأتي به تسوية تاريخية.