منذ رفعت طهران الغطاء عن حكومة نوري المالكي، بدا أن الجمهورية الاسلامية بدأت تستشعر خطر “الدولة لاسلامية” على مصالحها وأمنها. وعندما لزمت الصمت حيال قصف المقاتلات الاميركية مواقع الجهاديين داخل الاراضي العراقية، زادت التكهنات حول سياسة ايرانية جديدة حيال العراق، ومعها التوقعات لمقاربة ايرانية جديدة محتملة إزاء النظام السوري وغيره.
من المبكر توقع انضمام طهران صراحة الى جهود واشنطن لتوسيع الائتلاف الدولي ضد “الدولة الاسلامية”. بيد أن ثمة أكثر من دليل على تفاهم ضمني ايراني – أميركي في مواجهة هذا العدو المشترك. فعلى الارض، مثلا، يلفت مراقبون الى أن فك الحصار عن مدينة امرلي التركمانية الشيعية ما كان ممكناً لولا مساعدة الميليشيات الشيعية أو ما يسمى قوات المتطوعين التي يدربها “الحرس الثوري الايراني”. واعتبرت هذه العملية الانجاز الاكبر للهجوم المضاد الذي تشنه واشنطن بعد سيطرة “داعش” على مناطق واسعة في وسط العراق وشماله. الى ذلك، كانت ايران، بشهادة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، الدولة الاولى ترسل أسلحة الى كردستان بعد سقوط الموصل. وبذلك، تصير حليفة الامر الواقع لواشنطن التي هبت للدفاع عن اربيل من خطر الجهاديين. وقبل كل هذا، بدت لافتة الموافقة الضمنية لطهران على الغارات الاميركية على العراق، وسط صمت المتشددين وامتناع الصحف المحافظة عن شن حملات على “الشيطان الاكبر” الذي يقصف بلدا مجاورا. ليست خافية ملامح التغيير في السياسة الايرانية في العراق. وليست بعيدة منها مؤثرات انفتاح على السعودية، الخصم الاقليمي. فمع أن الجانبين السعودي والايراني لم يكشفا تفاصيل مهمة عن فحوى لقاء مساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، تشير اتجاهات الاسابيع الاخيرة الى ان اللقاء لم يكن مجرد اجتماع رمزي، وأن توقيته يكتسب بذاته دلالات مهمة. ولعل أبرز هذه الاتجاهات ارسال طهران أخيرا سفيرا لها الى الرياض هو حسين صدقي الذي سبق له ان تولى المنصب نفسه بين 1997 و2005، ايام الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي التي شكلت العصر الذهبي في العلاقات السعودية – الايرانية. وكان روحاني تحدث للمرة الاولى عن ارسال صدقي الى الرياض بعيد انتخابه في حزيران 2013. ومع ذلك، استغرق الامر حتى آب الماضي لتعيينه رسمياً في هذا المنصب. وتسوق الحكومة الايرانية عودة صدقي على انها نهاية للنهج المدمر لمحمود أحمدي نجاد حيال المملكة. لا شك في أن التحديات التي يمثلها “داعش” لأمن المنطقة شكلت دفعاً اساسياً للتعاون الضمني لطهران مع واشنطن وللانفراج الخجول مع الرياض. لكنّ تعاون ايران مع الرياض وواشنطن ضد المد الجهادي عموماً لا تزال دونه عقبات كبيرة. فمن سوريا الى اليمن والبحرين مروراً بلبنان والقضية الفلسطينية، لا تزال طهران تقف لا في وجه الرياض وواشنطن فحسب، وإنما أكثر دول العالم.