ميل غربي لرئيس توافقي من خارج الاصطفافات
هل يتحمّل مسيحيو «14 آذار» مسؤولية الفراغ؟
تظهر كواليس الحراك على مستوى الاستحقاق الرئاسي في الدائرة المسيحية، ان «الهمّة المستجدة» للقيادات المارونية لا تعدو كونها تأتي من زاوية رفع العتب وابعاد تهمة الاشتراك في «قتل» هذا الاستحقاق عبر عدم تسهيل اجرائه في المهلة الدستورية، بعدما بدأ يتلمس المعنيون منهم أن التداعيات السلبية لدى الشارع المسيحي ستكون بمستوى الاحباط في بدايات التسعينيات، مع بدء التطبيق الانتقائي لاتفاق الطائف.
الا ان هذا الحراك الجديد ينطلق ايضا مما يدور من نقاشات جديّة حول المخاطر المترتبة على الدخول في الشغور على مستوى الرئاسة الاولى، خصوصاً في الدوائر الضيقة لمسيحيي 14 آذار، في ظل مخاوف من انه سيأتي يوم يتم تحميل المكون المسيحي في «14 آذار»، وبدرجة اكبر «القوات اللبنانية، المسؤولية عما ستؤول اليه حالة رئاسة الجمهورية نتيجة الاستمرار بقرار ترشيح سمير جعجع، وهذا ما دفع رئيس «القوات» للتحرك باتجاه بكركي بعد مقاطعته اجتماع الاقطاب الموارنة الأخير تحت عنوان «الاسباب الامنية».
لماذا هذه الخشية لدى «مسيحيي 14 آذار»؟
الواضح ان دوائر الفاتيكان، كما الدوائر الغربية، تدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وهي تفضّل الرئيس التوافقي. وهنا تشير بعض المعلومات عن نقاش في تلك الدوائر حول مفاضلة بين كل من جعجع والعماد ميشال عون في سياق البحث عن جواب على سؤال: ماذا يشكل كل من عون وجعجع من نسبة التوافق على المستوى اللبناني العام؟. وتبين وجود فارق لصالح ميشال عون، فهو يحظى بتأييد شيعي كبير يصل الى حدود التسعين في المئة، مع نحو ثلاثين في المئة سنيا وخمسين في المئة مسيحيا ونحو ثلاثين الى أربعين في المئة درزيا، وما ينقصه عمليا هو الاغلبية السنية وحل هذه الاشكالية مرتبط بتيار «المستقبل» الذي لا يبدو انه متحمّس للدخول في صفقة من هذا النوع في ظل الظروف الاقليمية المعقدة، وايضا لأن موقف «المستقبل» مرتبط بسحب سمير جعجع كمرشح رئيسي لقوى «14 آذار» وهذا ما ألمح اليه بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وإن ربط موقفه بالتوافق على مرشح من قوى «14 آذار» بما يعني ايضا قطع الطريق على عون. اما بالنسبة لما يشكله جعجع من توافق لبناني فيتبيّن ان الامور معكوسة شيعيا والدروز بنسبة كبيرة لا يريدونه وقسم كبير من السنة يرفضونه، في حين أن التأييد المسيحي له لا يتجاوز نسبة ثلاثين في المئة في ظل قيام حلفائه المفترضين من المسيحيين بإبلاغ الغرب رفضهم الفعلي لتبنّي ترشيحه.
تلك المعادلات أفضت إلى قناعة غربية مفادها أن انسحاب عون من السباق الرئاسي لا يعني رفع حظوظ التوافق على جعجع، بينما يشكّل انسحاب جعجع فرصة للعماد عون لتأمين التوافق مع تيار «المستقبل».
من هنا، أفضى النقاش الى تحميل مسؤولية عرقلة التوافق الى «القوات اللبنانية»، لان ترشّح جعجع قطع الطريق على وصول رئيس قوي ويحظى بتمثيل مسيحي، وعدم انسحابه يصب في هذا الاتجاه، وبالتالي فهو لا يمنع عون من الوصول الى الرئاسة انما يمنع وصول رئيس قوي الى الرئاسة.
كل ذلك، دفع بعض مسيحيي «14 آذار» إلى طرح فكرة الاتفاق مع العماد عون على أسس وثوابت محددة ومعلنة ليتم تبنّي ترشيحه للرئاسة. الا ان هذا الطرح لم يسلك طريقه بسبب تباين الآراء، وجرى استبداله باقتراح التقدّم بمرشح جديد يمكنه تحقيق توافق الحد الادنى حول شخصه، لأنه من دون ذلك ستكون هناك مسؤولية على «مسيحيي 14 آذار» في تعريض الرئاسة الأولى للشغور، وهذا يقتضي البحث عن صيغة دستورية تمنع الخطر الداهم.
انطلاقاً من ذلك، فان رسائل بدأت تصل الى القيادات المسيحية تحمّل مسؤولية الشغور في الرئاسة الاولى إلى المكوّن المسيحي نتيجة انقسام وتشرذم الافرقاء المسيحيين.