IMLebanon

هل يتنازل جعجع عن ترشيحه.. ولمن؟

مع أنّ الإجماع الوحيد الذي تلتقي عند حافته كل القوى السياسية هو أنّ ترشيح سمير جعجع لن يصل إلى أبعد من حدود قلعته المعرابية حتى لو جال إسمه في الصندوقة «الذهبية»، إلا أّنّ أكثر من شخصية آذارية تجزم بأنّ الرجل كان مقتنعاً بهذا الترشيح وجاداً جدّاً في خطوته، وتراءى له في أحلام اليقظة أنّ دخول القصر ليس ضرباً من ضروب الخيال، وإنما احتمال صعب، ولكن ليس مستحيلاً.

يقول كُثر ممن يعرفونه أنّه كان يخطط جيداً لهذا السيناريو، حيث اعتقد لوهلة معينة أنّ الحظ سيبتسم له فيما لو جرت الرياح الإقليمية كما تشتهيه سفنه، وأنّه لن يقنع فقط بتنقيح سجله وبدخول النادي الرئاسي، لكنه سيسعى رسمياً ليكون رئيساً.

هكذا فرض على حلفائه، سعد الحريري أولاً ومن ثم المسيحيين، أن يكون مرشح الجلسات الأولى والثانية والثالثة… طالما أنّ أي ماروني آخر لن يكون بمقدوره أن يزيحه ليتربّع على عرش الترشيح الآذاري، من دون أن يعني ذلك أن سيد معراب سيصير بعد أيام أو أسابيع سيد بعبدا.

اليوم تحديداً، يقول آذاريون إنّ سمير جعجع لم يعد مرشحاً جدياً، ليس بنظرهم، وإنما بنظر نفسه. هم أصلاً لم يودعوا ترشيح «حكيم معراب» في رصيد الخيارات الجدية، بعكسه هو. الآن ترسّخت القناعة في رأسه أن دربه مقفلة، وأنّ الأصوات الـ48 التي نالها في الجلسة اليتيمة لن تصير 65 مهما طال زمن الشغور، وأنّه لا بدّ من توظيف هذا «النصر» في مكان آخر. يعني تحوّله من «مشروع رئيس» إلى مساهم في صناعة رئيس.

ولكن هذا لا يعني أبداً أن قوى «14 آذار» قررت الانتقال من المربع الأول إلى المربع الثاني من خلال ترفيع موقع أحد موارنتها إلى مرتبة مرشح. وهذا لا يعني أبداً أن الحوار الباريسي المعطوف على مشاورات الرابية، قد غيّر المشهد الرئاسي وقلبه رأساً على عقب.

حتى اللحظة، سيبقي هذا الفريق على مشهديته الأولى: سمير جعجع مرشحاً، حتى لو اسمياً… إلى حين تخلق الظروف، الإقليمية طبعاً، ما لا يعلم به اللبنانيون. بكلام آخر، لا يطمح فريق «14 آذار» إلى وضع الخطة «ب» لخياراته الرئاسية، ولا يرى أصلاً أنّ ثمة فائدة من التحرك محلياً، طالما أنّ مياه المنطقة لا تزال راكدة.

وفق تقدير احدى شخصيات هذا الفريق، فإنّ بقية الموارنة الآذاريين ليسوا مستعدين لإحراق أوراقهم إذا لم يستجد أي معطى جديد على الساحة الداخلية، ربطاً بالتطورات الخارجية. ولهذا سيصعب رؤية أو سماع أي من الطامحين يعلن رغبته في إطاحة جعجع ليحلّ محله في صناديق الاقتراع.

يقرّ فريق «14 آذار» أنّ طريق الاستحقاق غير مسهّلة وإلا لكانت جرت قبل 25 أيار. أّما وقد تجاوزت الخط الأحمر، فهذا يعني بنظرهم أنّ ثمة عقبات كثيرة تحول دون اتمام الاستحقاق في وقت قريب، أبرزها:

– من مصلحة «حزب الله» أن تطول الأزمة وتكبر كرة ثلجها، لأنه يطمح إلى تغيير موزاين القوى في تركيبة السلطة من خلال إعادة «دوزنة» اتفاق الطائف وفق اعتباراته. ومع أنّ الرئيس نبيه بري يحرص في كل مناسبة على نفض يديه كما يديّ شريكه الشيعي من أي مسعى للانقلاب على وثيقة الوفاق الوطني، إلا أنّ الجناحين الشيعيين يظلان متهمين، وفق خصومهم، إلى أن تثبت براءتهما.

– تعتقد تلك الشخصية في فريق «14 آذار» أيضاً أنّ الصراع المزمن على السلطة بين «تيار المستقبل» كممثل أول للطائفة السنية في لبنان، والفريقين الشيعيين، أّيّ «حزب الله» والرئيس بري، يحمّل هؤلاء مسؤولية مشتركة في تعطيل الرئاسة من خلال تقديم ترشيحات حادة تزيد من عمر الفراغ.

– برأي تلك الشخصية أن النظر خلف الحدود لا يسعف فريق «14 آذار» على بثّ أجواء تفاؤلية. فلا التقارب الإيراني – الغربي انتقل بنظرهم إلى عتبة التفاهم، ولا الانفتاح الإيراني – السعودي قد يغيّر قريباً في المشهد اللبناني. حتى أولويات المجتمع الغربي بعيدة عن كرسي بعبدا، ويكفيهم أن يعرفوا أن أنظار العاصمة الفرنسية تتركز راهناً على الجارة الأوكرانية حتى يتأكدوا أنّ ظروف الرئاسة اللبنانية لم تنضج بعد.

في هذه الأثناء، تستمر الاتصالات والمشاورات بين باريس «الحريرية» والرابية. إذ يؤكد الآذاريون أنّ الشيخ سعد لم يقطعها مع الجنرال لا سلباً ولا إيجاباً. الحوار قائم بينهما إلى أجل مجهول… من جانب الجميع.

لكن هؤلاء يجزمون أن ورقة ميشال عون احترقت ولا ينقصها سوى كتابة بيان نعيها، وذلك لكثير من الأسباب، أبرزها غياب الغطاء السعودي لحراك الشيخ المنفي، مع أنّ الآذاريين يؤكدون أنّ الرياض تترك المسألة إلى الآن بيد سعد الحريري وتكتفي بالاستيضاح منه عن مدى جدية هذه المشاورات… كما غياب الغطاء المحلي.

وفق هؤلاء، فإنّ الكثير من قيادات «تيار المستقبل»، وفي طليعتهم الرئيس فؤاد السنيورة وبعض النواب المحسوبين عليه، أبلغوا «زعيمهم» أنّهم يعترضون على ترشيح عون، وأنهم لا يجارونه في أفكاره «البرتقالية»، وأنّه سيواجه اعتراضاً محلياً قاسياً في ما لو قرر السير بهذا الخيار الانقلابي.

وهكذا سيظل الشغور «رئيساً»، إلى أن يُحرك أحدهم بيدقاً ما في رقعة الشطرنج الرئاسية.