IMLebanon

هل يجوز التشريع إذا شغرَت الرئاسة الأولى؟

 

مع ارتفاع احتمالات الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، تتَّجه الأنظار إلى عمل مجلس النوّاب التشريعي بعد 25 أيّار، خصوصاً أنّ قسماً كبيراً من النوّاب يُعطّلون النصاب، ولا يقومون بواجبهم الانتخابي، فماذا سيتغيَّر بعد 25 أيّار، لتدبّ فيهم الهمّة، وينزلوا إلى ساحة النجمة للتشريع، وهُم الغائبون عن الانتخاب؟

ينطلق معظم رافضي التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، من منطلق ميثاقي، دستوري، توازني. فمن حيث الدستور، لا يمكن لمؤسسات الدولة أن تستمرّ في ظلّ غياب رأس الدولة والقائد الأعلى للمؤسسات. فاستِسهال الفراغ في سدّة الرئاسة يدفع البعض إلى القول إنّ البلاد تستمرّ بشكل طبيعي حتى بلا رئيس، وهذا ضربٌ لكلّ مفاهيم هيكلية المؤسّسات وتراتبيتها.

لكنّ الأمر الأكثر خطورةً، هو الناحية الميثاقية، لأنّ التركيبة اللبنانية قائمة على تمثيل كلّ الفئات في الدولة، وغيابُ المكوّن الماروني عن المركز الأوّل يُعتبر ضرباً للطائفة والوطن، فرئيس الجمهورية لا يمثّل الموارنة في الدولة فقط، بل جميع المسيحيّين، لأنّ الرئاسات الثلاث موزّعة بين موقعين للمسلمين (رئاسة الحكومة للسُنّة ورئاسة مجلس النوّاب للشيعة)، وموقع للمسيحيّين. من هنا، يُعتبر شغور الرئاسة ضرب للصيغة القائمة، بعدما ضعف الموقع بضعف المسيحيّين، وانتزاع الصلاحيات المهمّة منه. والمثال على ذلك، اعتبار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غيرَ ميثاقية بعدما استقال منها الوزراء الشيعة إثر حرب تمّوز 2006.

ويبدو أنّ أحداً غير مُستعدّ للدخول في معركة التشريع في ظلّ الشغور، بل إنّ بعض الكتل يعتبر أنّ تعطيل التشريع هو بمثابة ضغط للتسريع في انتخاب رئيس، لأنّ معركة الرئاسة أساسية في استعادة التوازن الوطني، خصوصاً أنّ المسيحيّين يرَون في موقع الرئاسة امتيازاً أعطِي لهم للمشاركة الفعلية في بناء الدولة وحفظِ وجودهم الحرّ في لبنان والشرق.

نظرية جدليّة

ينظر بعض المشرّعين والقانونيّين إلى هذه النقطة من منظار قانونيّ بَحت، إذ يؤكّد المرجع القانوني والدستوري حسن الرفاعي لـ»الجمهورية» أنّه «يحقّ للمجلس التشريع بعد 25 أيّار، لكنّه يحتاج إلى قرار من الحكومة بفتحِ دورة استثنائية للتشريع بعد نهاية أيّار تاريخ انتهاء الدورة العادية للمجلس». ويوضِح الرفاعي أنّه «يحقّ للحكومة فتح دورة استثنائية بعد 25 أيّار حتى في ظلّ الشغور الرئاسي، لأنّ صلاحيات الرئيس تنتقل إلى الحكومة باستثناء حقّها في توجيه الرسائل إلى مجلس النواب، وحلّ المجلس»، مشيراً إلى أنّه «لا يحقّ للمجلس التشريع في ظلّ حكومة مستقيلة لأنّها لا تستطيع حضور الجلسات، لكنّ التشريع ممكن في ظلّ عدم انتخاب رئيس، لأنّ الحكومة موجودة وغير مستقيلة».

… وأخرى مناقضة

يُناقض الوزير السابق الدكتور سليم الصايغ هذه النظرية، ويقول لـ»الجمهورية» إنّ الرفاعي «يتحدّث من منطلق دستوريّ بَحت، مستنداً إلى أنّ مجلس الوزراء يستلم صلاحيات الرئاسة»، لافتاً إلى أنّ «نظرية التشريع تنطبق على حالين: الأولى، إذا شغرَ منصب الرئاسة ضِمن المهلة الدستورية، أي استقال الرئيس، أو توفّي، أو حدَثت ظروف استثنائية، عندها يجب أن تستمرّ الحياة العامّة إلى حين انتخاب رئيس. أمّا الحالة الثانية فهي الشغور الذي يحصل عبر تشويه مجلس النوّاب للمادة 49 بما تتضمّنه من تنظيم للانتخاب، وتأمين النصاب، حيث يلجأ النوّاب إلى تطيير النصاب في تفسير خاطئ ومخالف لكلّ الأعراف الدستورية، خصوصاً أنّ نوّاب الأمّة يتعمّدون تعطيل النصاب ويستعملون الغياب وسيلةً لضرب ركائز الميثاقية بعدم انتخاب رئيس». ويضيف: «هذا اعتداء واضح وشغور متعمَّد لمنصب الرئاسة، من هنا لا يحقّ لبعض النواب التحدّث عن قيامِهم بدورهم التشريعي بعد 25 أيّار، فيما لا يقومون بواجبهم الأساسي خلال المهلة الدستورية المعطاة لانتخاب رئيس».

ويشير الصايغ إلى أنّ «المجلس لا يستطيع التشريع استناداً إلى عُرف الديموقراطية التوافقية، خصوصاً أنّنا نعتمد مبدأ فصل السلطات وتوازنها، فإذا لم يُنتخَب رئيس، تُنسَف الميثاقية، لأنَّ الرئيس يمثّل رأسَ الدولة والطائفة المارونية»، مُشدّداً على أنّ «الدستور ينصّ على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، فلو كان أيّ موقع آخر شاغراً فلن تقبل الطائفة التي تشغله».

ويَعتبر الصايغ أنّه «في ظلّ غياب ممثل عن الطائفة المارونية، يجب أن يتوقّف العمل التشريعي، والتنفيذي أيضاً، إلّا في الضرورات الطارئة، ولكي لا تستمرّ الأمور كما أنّ شيئاً لم يحصل، خصوصاً أنّه شغور متعمّد، وهو بمثابة اعتداء على كلّ مؤسسات الدولة، لذلك، يجب الضغط لإعادة الميثاقية إلى الدولة عبر انتخاب رئيس، لا أن تمارس الحكومة صلاحياته».

«14 آذار» ترفض

فتحَ عضو كتلة «القوّات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا معركة إسقاط فكرة التشريع بعد 25 أيار، فهو أراد استباق محاولات تهميش الرئاسة الأولى، مستعيداً بذلك تجربة إفشال التشريع في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، ويبدو أنّه نجح في تسويق فكرته بعدما تبنّاها تيار «المستقبل» مبدئيّاً و»التيار الوطني الحرّ». ويوضح زهرا لـ»الجمهورية»، «أنّنا أعدنا طرحَ فكرة عدم التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية في جلسة اليوم (أمس) استناداً إلى المادة 74 من الدستور التي تقول، إنّه في ظلّ خُلوّ سدّة الرئاسة لأيّ سبب كان، يلتئم المجلس بحُكم القانون لانتخاب رئيس»، أمّا المادة 75 فتقول إنّ «المجلس يتحوّل هيئةً انتخابية وليس هيئة تشريعية»، معتبراً أنّ «استسهال التشريع يعطي فكرةً أنّ الحياة مستمرّة بلا رئيس». ويرى زهرا أنّ «طرح الرفاعي مأخوذ من الدستور الفرنسي عام 1870، ولا تنطبق هذه النظرية على لبنان، لأنّ تركيبتَه مختلفة عن التركيبة الفرنسية من حيث التنوّع وشكل الحكم، خصوصاً أنّ في فرنسا مجلسين للتشريع، هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ».

يُساند تيار «المستقبل» موقف «القوات اللبنانية»، خصوصاً أنّه لا يريد ضرب «اتّفاق الطائف» وإسقاط ركائزه، لأنّ الفراغ الرئاسي يشرّع الباب إلى مؤتمر تأسيسيّ غير محسوب النتائج، في ظلّ اختلال ميزان القوى مع «حزب الله»، ويشير النائب أحمد فتفت عبر «الجمهورية» إلى «نظرياتٍ تعطي من الناحية الدستورية حقّ التشريع للمجلس، لكنّه لا يجوز سياسيّاً وميثاقياً التشريع في ظلّ غياب الرئيس، لأنّ تركيبة البلد قائمةٌ على تقاسُم السلطات بين الطوائف، وبالتالي يُعتبر غياب أيّ طائفة أمراً غيرَ ميثاقيّ».

وعمّا إذا كانت «14 آذار» ستتغيّب عن أيّ جلسة تشريعية بعد 25 أيّار، مثلما فعلت في ظلّ حكومة تصريف أعمال، يشدّد فتفت على أنّ «الحالتين مختلفتان، لكنّنا نتشاور في ما بيننا، وسنأخذ موقفاً موحّداً».

«التيار» على موجة «القوّات»

لا يُعتبَر موقف «التيار الوطني الحرّ» بعيداً من موقف «القوات اللبنانية» والكُتل الرافضة للتشريع، فمعركةُ الرئاسة أساسية لجميع المسيحيّين واللبنانيين. وفي هذا السياق، يرفض النائب حكمت ديب استمرار الحياة الدستورية بلا رئيس، ويقول لـ»الجمهورية» «إنّنا نرفض التشريع في ظلّ غياب رئيس، وكأنّ البلد «ماشي» وموقع الرئاسة لا تأثيرَ له، ويجب أن يكون الموقف مشابهاً لما حصل عند استقالة الحكومة، إلّا في بعض المواقف والقرارات المهمّة، مثل قانون الانتخاب الذي يجب إقراره، لأنّهم لو عملوا بنصيحة «التيار» في تلك الفترة وأجرَوا الانتخابات النيابية، لكُنّا أزحنا من دربنا همّاً أساسيّاً، أمّا الآن فقد تكدّست الاستحقاقات ولا يمكننا أن ننجزها في وقتها». ويدعو ديب إلى «الإسراع في انتخاب رئيس لأنّ الشغور في سدّة الرئاسة سيؤثّر على الحياة العامّة، على الرغم من أنّنا لا نرضى برئيس لمَلء الكرسي فقط، بل عليه أن يكون مشروع حلّ للأزمة».

يبدو أنّ الجوّ العام في البلاد يتَّجه نحو رفض التشريع إذا ما وقع الشغور، وتُعتبر هذه المعركة أساسية لجميع الحريصين على الدستور والمؤسّسات، لكي لا تسير الدولة بلا رأس.