الجنرال مُحاوِراً «المستقبل»: نقاط الضعف والقوة
هل يحاول الحريري تعطيل «مفعول» عون؟
لا أحد من حلفاء العماد ميشال عون يجادل في حقه، بل «واجبه»، في ان يترشح الى رئاسة الجمهورية. ولا أحد من هؤلاء يناقش في بديهية ان يكون الجنرال الخيار الاول لفريق «8 آذار» في المعركة الرئاسية..
وبرغم التحديات التي تواجه رحلة «السفر السياسي» لعون الى قصر بعبدا، إلا ان ذلك لا يمنع ان ترشيحه ينطلق من عناصر قوة عدة، أبرزها:
– استناد عون الى تمثيل مسيحي واسع يمنحه شرعية ان يجلس في الصفوف الامامية للمرشحين، وحتى ان يتقدم عليهم، ذلك انه لا يزال الاقوى شعبيا في الشارع، كزعيم منفرد، قياسا الى الحجم الإفرادي للقيادات الاخرى.
– قدرة عون على الجمع، من خلال سيرته ومسيرته، بين تجربتي «8 و14 آذار»، ما يجعله متمكنا من التحسس بهواجس الطرفين ومحاكاتها، فهو من المؤسسين الأوائل لـ«14 آذار» الاصلية، وهو مهندس شعار «حرية، سيادة، استقلال» عندما لم يكن يجرؤ الآخرون، وهو خاصم سوريا بشراسة حين كان جيشها في لبنان وخاض ضده «حرب التحرير» الشهيرة. ومن ناحية أخرى، نجح الجنرال في إنجاز تفاهم تاريخي مع «حزب الله»، ووقف الى جانبه من دون تردد خلال حرب تموز في مواجهة العدوان الاسرائيلي، وصادق سوريا بعد انسحاب قواتها وزار الرئيس بشار الاسد في دمشق، الامر الذي جعله موضع ثقة من قيادة المقاومة وحلفائها في «8 آذار».
– امتلاك عون إمكانية التواصل مع الفريق الآخر سعيا الى ملاقاته حول قواسم مشتركة، كما يفعل حاليا مع تيار «المستقبل» من خلال الحوار المفتوح بينهما، وبالتالي فان لديه قابلية لأن يكون مرشحا توافقيا او وفاقيا، في حين ان مرشح «14 آذار» حتى الآن سمير جعجع لا يملك هذه الفرصة، إذ ان خطوطه مع «حزب الله» وحلفائه مقطوعة بالكامل ولا إمكانية لفتحها في المدى المنظور.
.. لكن، ومع ذلك كله، تبدي بعض الاوساط الصديقة لعون ملاحظات على طريقة إدارته الملف الرئاسي، لا سيما في ما يتعلق بأسلوب التفاوض مع الرئيس سعد الحريري.
وتلفت هذه الاوساط الانتباه الى ان هناك شعورا لدى البعض بأن عون يندفع أكثر من اللزوم في خطواته على طريق سعيه الى تسويق ترشيحه لدى الحريري وإقناعه بتقديم الدعم له، لافتة الانتباه الى ان من حق الجنرال بطبيعة الحال التحاور مع رئيس تيار «المستقبل» ومحاولة كسب تأييده، لكنه يجب ان يكون حريصا كذلك على تجنب إعطاء اي انطباع سلبي حول نمط التفاوض الذي قد يحتمل تأويلات وتفسيرات لا تتلاءم كثيرا مع «الكبرياء» المعروف به «التيار الوطني الحر» وقائده.
وتبدي الاوساط الصديقة للرابية خشيتها من ان يكون هدف الحريري «استنزاف» عون قدر الإمكان، من خلال تعمد إطالة مدة إقامته في المنطقة الرمادية، في وضعية «لا معلق ولا مطلق»، في انتظار الرد النهائي لرئيس تيار «المستقبل» على طلبه دعم ترشيحه، كرئيس توافقي.
وتعتبر الاوساط ان قرار الحريري بإبقاء الابواب مفتوحة مع عون، بعد لقاء باريس الاخير بينه وبين الوزير جبران باسيل، قد يبدو من حيث الشكل إيجابيا، لكنه يعكس في جوهره رغبة في مزيد من «المناورة» ومواصلة تعطيل «مفعول» الجنرال وقتا إضافيا، وصولا الى «استهلاك» صورته.
وتشير الاوساط الى ان الحريري الذي ليس بوارد تأييد وصول عون الى رئاسة الجمهورية، يستفيد من الحوار معه ومن حاجة الجنرال الى أصوات كتلته النيابية، لاستمالته وإبعاده عن «حزب الله»، على قاعدة انه إذا كان القبول بعون رئيسا هو أمر متعذر حتى إشعار آخر، فلا بأس من السعي الى احتوائه والدفع في اتجاه «تبريد» حرارة تحالفه مع «حزب الله»، بحيث يصبح وسطيا، على الاقل، بدل ان يبقى رأس حربة في مواجهة تيار «المستقبل»، كما كان عليه حتى الامس القريب.
وتلفت الاوساط الانتباه الى ان من محاذير الاندفاع الزائد، وغير المحسوب، في مسار الانفتاح على الحريري، ان الجنرال قد يجد نفسه محرجا في العودة الى مربع الخصومة او الخلاف مع «المستقبل»، في حال إخفاق الحوار والفشل في التوافق عليه رئيسا، لانه سيبدو حينها وكأنه يقوم برد فعل سلبي على عدم التجاوب مع ترشيحه الى الرئاسة، الامر الذي سيوحي بان الحوار بينه وبين الحريري كان لمصلحة شخصية.
وعليه، ترى الاوساط التي تربطها علاقة جيدة بعون انه من الافضل ان يحافظ الجنرال على مسافة وقائية، تحت سقف الحوار مع الحريري، حتى يظل هامش خياراته واسعا.
وأبعد من الحسابات الداخلية، تعتبر الاوساط ان المحور الاقليمي الصديق للجنرال يحقق مكاسب، سواء على مستوى الميدان السوري او على مستوى الدور الايراني في المنطقة، وبالتالي يستطيع عون الاستفادة من هذه الوقائع والحقائق لتعزيز موقعه التفاوضي وزيادة أوراق قوته.