يقول عدد من مسؤولي الاحزاب والتيارات المسيحية في 14 آذار ومستشاري قادة هذه الاحزاب أيضاً ما لا يقوله زعماء 14 آذار المسيحيون، فالكلام المباح لم يحن أوانه بعد خشية فرط التحالف العريض الذي بقي من ” ثورة الارز”، لكن ما يعتمل في نفوس العارفين ليس سهلاً خصوصاً ان كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن اتفاق الحلفاء على برنامج واحد اياً يكن مرشح 14 آذار، إنما هو حمّال أوجه وسط التجاذبات العنيفة القائمة على انجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده وعدم السقوط في دوامة الفراغ.
في المكاتب المغلقة وحلقات النقاش داخل الدوائر الحزبية الكثير من الكلام عن رغبة اطراف في عدم وجود مرشح مسيحي قوي، وتكرار سيناريوات المرحلة التي سبقت التحضير لقانون الانتخاب والنقاش الصاخب الذي دار حول مشروع “اللقاء الارثوذكسي” تحت عناوين تأمين صحة تمثيل المسيحيين ووضع حد لمصادرة مقاعدهم النيابية. لكن كل الجدل الذي دار آنذاك بين بكركي ومراكز قيادات الاحزاب المسيحية ومقار زعمائها انتهى الى لا شيء ومعادلة صفر قانون والتمديد للمجلس النيابي الذي ما لم يتم وضع قانون جديد للانتخاب سوف يعاد انتخابه بالطريقة عينها وفق معادلات قانون الستين المجحف بحق المسيحيين.
ثمة علامات استفهام كبيرة بين كوادر مسيحية في 14 آذار حول حقيقة موقف الحلفاء من انتخاب رئيس مسيحي قوي بغض النظر عما اذا كان المرشح من بين صفوف التحالف أم نتيجة تفاهمات معينة، والسؤال فعلاً عما اذا كان المطلوب انتخاب رئيس يكون على قدر طموحات المسيحيين وامانيهم في الشراكة والعودة الى الدولة. وما يزيد التساؤلات هو حجم الغموض و”الباطنية” في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي بين “المستقبل” والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، اضافة الى احالة الامر برمته على التوافقات الاقليمية السعودية – الايرانية وحتى الاميركية – الايرانية دون الالتفات ولو بخجل الى عنوان “لبننة الاستحقاق” الذي سطع نجمه قليلاً ليخبو دون ان يثير اي مفاعيل، ما يشير الى رغبة في تكرار مرحلة عهد الرئيس الياس الهراوي وما رافقها من وصاية قاهرة والاتيان برئيس وزراء قوي في موازاة رئيس مجلس نواب قوي تحكّما معاً بالحركة السياسية والادارية والاقتصادية. لكن ما بين 1990 واليوم ثمة سنين عدة وجلاء الاحتلالين السوري والاسرائيلي وتكرار تجربة بدايات الطائف في ما لو قيض لها النجاح ستؤدي الى تعميق الهوة بين المكونات اللبنانية وزيادة الشرخ في الشراكة الوطنية.
وتضاف الى الهواجس السابقة تساؤلات مبررة تستند الى تحليل لمسار تطور الامور بين “تيار المستقبل” وتيار العماد ميشال عون، اذ رغم النفي المتكرر لـ”المستقبل” ولنوابه وقيادييه لوجود اي صفقة مع زعيم “التيار الوطني الحر” لتأمين وصوله الى كرسي الرئاسة، الا ان المعلومات المتقاطعة تشير الى ان “المستقبل” ربما اندفع كثيراً في نقاشاته مع “التيار الوطني” دون ان يحسب حساباً “لخط الرجعة”، او ادراك ان موضوع الرئاسة “ليس للمزاح اطلاقاً لدى العماد عون الطامح الى هذا المقعد منذ نهاية الثمانينات”. وتالياً فإن كلام العونيين على ان فرص رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” في الوصول الى الرئاسة كبيرة، لا تنبع من العدم بل من سلسلة وقائع متراكمة ابرزها النقاش المشترك بين التيارين، الامر الذي يتخذه فريق العماد عون قاعدة لبناء مشروعه الانتخابي الرئاسي للوصول الى قصر بعبدا، وإلا فما معنى الكلام عن ملفات النفط والكهرباء وقيادة الجيش ورئاسة الحكومة وغيرها من الامور التي لا يمكن ان تناقش الا على خلفية الرؤية الى العهد الجديد وسيد قصر بعبدا الموعود؟
مقولة تتردد في بعض اوساط مسيحيي 14 آذار، وفي خلاصتها ان موقف “حزب الله” معروف في دعم العماد عون وكذلك موقف حركة “أمل” في تأييد رئيس وفاقي يتناغم معها. لكن حراك “تيار المستقبل” الضبابي والغزل السياسي تحت ستار المناورة السياسية يرسم الكثير من علامات الاستفهام عما اذا كان المطلوب فعلاً انتخاب رئيس قوي يستجيب لحاجات المسيحيين الذين لا يمكنهم المساومة على موقع الرئاسة الاولى، وتالياً فان التذرع بخلافات المسيحيين في ما بينهم على الرئيس العتيد من أجل تكرار مقولة “ليتفق المسيحيون على قانون انتخاب ونحن نسير به” لم يعد صالحاً للاستخدام وسيؤدي الى الكثير من الاشكاليات ولو داخل الفريق الواحد.