…وفاز الفراغ بكرسي الرئاسة في بعبدا. القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وبعض حلفاء كل منهما لن يسمحوا بأن تمضي المؤسسات الدستورية الأخرى في عملها، كما لو أن شيئاً لم يكن. حسموا أمرهم بأنهم سيقاطعون جلسات مجلس النواب ابتداءً من الأسبوع المقبل. لكن ما لم يُبتّ بعد هو أمر الحكومة: فهل يقاطعها وزراء تكتل التغيير والإصلاح؟
مصير الجلسة النيابية المخصّصة لانتخاب رئيس جديد اليوم، لن يكون مغايراً لجلسات الدورة الثانية التي سبقت، من حيث عدم اكتمال النصاب النيابي المطلوب. والفراغ الذي كان احتمالاً قبل مدّة، يصبح ابتداءً من اليوم، واقعاً لن يتغيّر قبل أشهر.
في تفاصيل المواقف، قوى 8 آذار حكماً لن تشارك، فضلاً عن الحضور الخجول لكتلة التنمية والتحرير، فيما حسمت كتلة التغيير والإصلاح عدم حضورها على لسان النائب آلان عون، الذي قال بعد جلسة أمس: «إننا لسنا معنيين بجلسة شكلية، وإذا بقيت مواقف الكتل النيابية على حالها، إذاً فلا إمكان لانتخاب رئيس غداً (اليوم)». على ضفّة 14 آذار، ستعيد هذه القوى رسم مشاهد الجلسات الماضية، لجهة الحضور، ولجهة تمسّكها برئيس حزب القوات اللبنانية كمرشحها، لطالما أن لا نصاب فلا انتخاب. من جهته، سيبقى النائب هنري الحلو مرشّح كتلة اللقاء الديموقراطي التي ستشارك في الجلسة.
موقف التيار الوطني الحرّ، قد يتعدّى عدم تأمين نصاب الجلسات المخصصة لانتخاب الرئيس. إذ أكدت مصادره لـ«الأخبار» أن «التيار يبحث في إمكان مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، بدءاً من جلسة اليوم، اعتراضاً على عدم إجراء الانتخابات الرئاسية». وقالت المصادر إن «البحث يتناول إيجابيات هذه الخطوة وسيئاتها، ولا سيما إذا لم تترافق مع مقاطعة كافة وزراء تكتل التغيير والإصلاح (أي وزراء ونواب تيار المردة وحزب الطاشناق) وقوى 8 آذار، ما يفقد هذا القرار أهميته». ولفتت المصادر إلى أن «التيار سبق أن ناقش مثل هذه الاحتمالات لقرار المقاطعة، لكن تسريع تطبيقه يستند إلى محاولة التأثير السريع في مجريات الاستحقاق».
جعجع: لا توجد أكثرية في المجلس النيابي لتلبية رغبة البطريرك
من جهتها، شككت مصادر 14 آذار في إمكان لجوء التيار الوطني الحر إلى هذه الخطوة، «لأن مقاطعة وزيرين لن تقدم ولن تؤخر في عمل الحكومة». لكنها لفتت إلى أن «قوى 14 آذار قررت مقاطعة الجلسات النيابية التشريعية بدءاً من 25 أيار الجاري»، وأن «تيار المستقبل سيقاطع أيضاً ويتضامن مع مسيحيي 14 آذار، احتجاجاً على عدم انتخاب رئيس للجمهورية». وأكدت المصادر أن «اتصالات جرت بين النواب المسيحيين من قوى 14 آذار والتيار الوطني الحر من أجل السير معاً بمقاطعة الجلسات النيابية التشريعية».
وفي سياق التواصل بين الرئيس سعد الحريري وعون، قالت مصادر بارزة في تيار المستقبل لـ«الأخبار» إن «التواصل مع عون مهمّ جداً، لكن الأمور لم تكن ناضجة لدعم عون كمرشح توافقي للرئاسة». وقالت المصادر إن «الحريري اقتنع في مرحلة معينة بأن وصول عون إلى رئاسة الجمهورية أمر جيد ويعكس استقراراً في البلد»، لكن «الأمور لم تنضج، وكان هناك أكثر من رأي داخل التيار تم النقاش حوله مع الرئيس الحريري، كذلك ترى السعودية أن الأمور ليست ناضجة لتبني عون». وأشار المصدر إلى أن «اتفاق الحريري مع عون له سلبيات وإيجابيات، ويعود بالمنفعة على تيار المستقبل، فمن الإيجابيات فك التصاق عون بحزب الله، ومنع النائب وليد جنبلاط من البقاء كبيضة قبان في ظلّ علاقة رباعية مع عون وأمل ـــ حزب الله ومسيحيي 14 آذار، وتحقيق استقرار كبير في البلد. لكنّ السلبيات هي فرط عقد 14 آذار وتحالف استراتيجي مع جعجع». وتقول المصادر إن «الحريري في المرحلة الحالية يفضّل الحفاظ على وحدة 14 آذار، والسعودية ترى الأمر مبكراً. فضلاً عن أنه لا يمكن أن ننسى فجأة ما قاله عون وقت إسقاط حكومة الحريري عن الـ«one way ticket»، وجمهورنا لم يقتنع بعون ويحتاج إلى مزيدٍ من الوقت». وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت المرحلة المقبلة في ظلّ الفراغ، ممكن أن تحقّق التقارب المطلوب مع عون للسير به كمرشّح توافقي، قالت المصادر: «لا شيء مستبعد، الوقت يحسم كل شيء، لكن على التيار الوطني الحر أن لا يتعامل معنا على قاعدة الانتخابات الرئاسية وحدها».
وعلمت «الأخبار» أن اللقاءات لم تنقطع بين عون والحريري، وأن الجنرال استقبل النائب السابق غطاس خوري ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري. كذلك التقى الأخير، مع وفد من تيار المستقبل، الوزير السابق سليم جريصاتي على مأدبة في أحد المطاعم الفخمة.
الراعي لا يزال يرغب في التمديد
من جهته، لا يزال البطريرك بشارة الراعي يطرح مع زوّاره ضرورة التمديد للرئيس ميشال سليمان لمرحلة زمنية معينة حتى لا تقع الرئاسة في فراغ وتنتقل صلاحياتها إلى الحكومة. وعلمت «الأخبار» أن السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل استطلع إمكانية التمديد لسليمان، كذلك فعلت سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان أنجيلينا إيخهورست الأمر نفسه.
وبعد استقبال الراعي لجعجع بعد ظهر أمس، أمل جعجع أن «ينزل العماد عون إلى الجلسة، ويحث النواب على التصويت له، وفي حال نيله أكثرية الأصوات، أي 65 صوتاً، سأكون أول من يهنئه، لكن المقاطعة غير مقبولة». وعن طرح الراعي التمديد لسليمان، قال جعجع: «لقد فاتحنا البطريرك بهذا الموضوع، ولكن تبين من التعداد أنه لا توجد أكثرية في المجلس النيابي ترغب في تعديل الدستور. وللأسف، انتهى الموضوع عند هذا الحد، أي انتهى قبل أن يبدأ».
بدوره، أكد الرئيس نبيه بري أن «هناك جلسة كل دقيقة (في الأيام العشرة) حتى إذا لم يدعُ إليها رئيس المجلس إذا كان النصاب متوافراً، ولا ضرورة لأن أعين جلسة غداً أو بعد غد أو بعده. وإذا عرفت أن هناك نصاباً مؤمناً في أي ساعة أو وقت، حتى ولو كان في منتصف الليل، فإن رئاسة المجلس حاضرة لأن تكون في خدمة المجلس، وهذا أقل من واجباتنا الوطنية».
القومي يرفض زيارة فلسطين
وفي سياق آخر، أبلغ رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، الراعي موقفه من زيارة الأخير لفلسطين، وقال بعد زيارة بكركي على رأس وفدٍ من الحزب: «نحن لدينا ثقة كبيرة بغبطته، ونقدّر مواقفه تجاه الأوضاع الوطنيّة والوضع الإقليميّ وتجاه ما يتعرّض له شعبنا في فلسطين من عدوانية ورعونة وقهر وزجّ في السّجون. لقد تناقشنا معه، وقدّمنا له رأينا وبعض الاقتراحات، ونحن لسنا مع الزيارة».
وخلال اللقاء، تطرق الراعي إلى موضوع جلسة اليوم الرئاسية، سائلاً الوفد عمّا يحول دون توجهه إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. جاءه ردّ القومي الديبلوماسي بأن المقاطعة حق ديموقراطي. عندها استعرض الراعي طريقة انتخاب البطاركة والبابا، بحيث تبقى الجلسة مفتوحة إلى حين خروج الدخان الأبيض، فما كان من النائب مروان فارس إلا أن قال له ضاحكاً: «أنتم لديكم الروح القدس، أما نحن فلا!».