IMLebanon

هل يُتيح الدستور إجراءَ انتخابات نيابية في غياب الرئيس؟

في ظلّ تربّع الفراغ على عرش سدّة رئاسة الجمهورية، وفي خضمّ احتدام الاستحقاقات الداخلية، يثير موضوع إجراء الانتخابات النيابية جدلاً دستورياً كبيراً، على اعتبار أنّ الحكومة ستُصبح مستقيلة بعد صدور النتائج، وبالتالي من الملزم الدعوة إلى استشارات نيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة. فما هي الآليات الدستورية التي تحكم انتقال السلطة في ظلّ غياب رأس الهرم؟

في 20 آب المقبل تنتهي المهلة المحدّدة لدعوة الهيئات الناخبة، ويبدو أنّ معظم الأفرقاء السياسيين باتوا يؤيّدون اليوم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها على أساس قانون الستّين، تحاشياً لفراغ مجلس النواب بعد الفراغ الرئاسي، وتحاشياً للوصول إلى تمديدٍ ثانٍ للبرلمان.

وفي هذا الإطار، يقول الخبير والمرجع الدستوري حسن الرفاعي لـ»الجمهورية»، إنّ «النظام الديموقراطي والأعراف والقواعد الثابتة لاستمرارية الحكم، تقضي بأن تُجري الحكومة المستقيلة والتي تُصرّف الأعمال، الاستشارات النيابية الملزمة بالنيابة عن رئيس الجمهورية، لتكليف رئيس حكومة جديد في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، والذي بدوره يُجري مع الحكومة المستقيلة الاستشارات لتأليف حكومة جديدة، وذلك تفادياً لتعطيل الحياة الدستورية»، لافتاً إلى أنّ «الفراغ في رئاسة الجمهورية يُجبرنا على استنباط واجتهاد الأحكام لتفادي تعطيل الحياة الدستورية، فلا يجوز إطلاقاً، وتحت أيّ ظرف، أن تتوقّف الحكومة عن القيام بموجباتها الإدارية التي يرعاها القانون والدستور في سبيل تأمين استمرارية عملِها في خدمة المواطن وتحقيق المصلحة العامة».

إلّا أنّ هذا الاجتهاد الدستوري الذي يؤيّده بعض الدستوريين، يرفضه البعض الآخر، مشدّداً على استحالة الدعوة إلى استشارات نيابية لتسمية رئيس الحكومة في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، لأنّ الرئيس هو من يُجري الاستشارات ويسمّي رئيس الحكومة بناءً على نتائجها، ويؤلّف الحكومة بالاتّفاق مع رئيسها، ويوقّع مراسيمها.

وفي هذا السياق، يؤكّد الوزير السابق إدمون رزق «استحالة انتقال السلطة»، ويقول لـ»الجمهورية»: «من العبث التنظير في جوازات دستورية أو انتقال صلاحيات، لأنّ الصلاحيات لا تنتقل، وإنّما تُناط بصورة موَقّتة ومحدودة بمجلس الوزراء في حال الخُلوّ الطبيعي لسدّة الرئاسة، ووجود قوّة قاهرة force majeure أو سبب طارئ cas fortuit».

ويضيف: «لكن عند افتعال شغورٍ بالرئاسة، تصبح الجمهورية في الحال المنصوص عنها في الفقرة «ي» من مقدّمة الدستور، أي أن «لا شرعية لأيّ سلطة تُناقض ميثاق العيش المشترك»، معتبراً أنّ «افتعال الشغور هو نقضٌ لميثاق العيش المشترك، ولذلك لا تعود هناك شرعية لأيّ سلطة ما دام الخَلل قائماً والنقض مستمرّاً لميثاق العيش المشترك. فنحن اليوم لسنا في حال خُلوّ الرئاسة بل في حال افتعال الفراغ الذي ينعكس تلقائياً على كلّ السلطات القائمة ويَصِمها بعدم الشرعية. فالأولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية». ويشدّد رزق على أن «لا صلاحية لدى مجلس الوزراء ليقوم مقام الرئيس، إذ لا يستطيع إصدارَ المراسيم»، معتبراً أنّ «مجلس النوّاب لا يستطيع إصدار القوانين والاشتراع، لأنّ حاميَ الدستور غير موجود ومجلس الورزاء لا ينوب عنه، ورئيس الجمهورية يملك وحدَه صلاحية ردّ القوانين، وذلك بموجب قسَمِه الدستوري وكونه حاميَ الدستور».

وإذ يشير إلى «أنّنا وضعنا مقدّمة الدستور عام 1990 عندما عدّلنا الدستور، لتضمن الشراكة الوطنية»، يؤكّد رزق أن «لا وجود للجمهورية بالمعنى الدستوري في معزل عن رأس الهيكلية الذي هو رئيس الجمهورية»، مشيراً إلى أنّ «المادة 49 أناطَت صلاحيات برئيس الجمهورية لا يمكن تجييرُها ولا نقلها لا إلى مجلس الوزراء مجتمعاً ولا إلى مجلس النواب مجتمعاً، لذلك إنَّ تعَمُّدَ التفريغ هو تعطيل فعليّ للدولة».

بدوره، يشدّد عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ»الجمهورية» على وجوب «أن تكون الأولوية لإجراء الانتخابات الرئاسية، لأنّ إنجاز انتخابات نيابية في ظلّ غياب رئيس جمهورية أمرٌ خطير جداً، لسببَين، الأوّل أنّه لا يجوز إجراؤها من الناحية المبدئية في غياب الرئيس، لأنّنا بذلك نجعل الناس يعتادون على أنّ وجودَه ليس ضرورياً، والثاني والأسوأ هو من سيُسمّي رئيس الحكومة ويُجري الاستشارات؟ عندها نكون قد دخلنا في قصّة خطيرة جداً».

وعمّا إذا كان تيار «المستقبل» سيخوض الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية، يجيب فتفت: «موقفنا الحالي هو أنّنا نفضّل إجراء الانتخابات الرئاسية أوّلاً، وهذا موقف 14 آذار».