يدين لبنان «هذا» بوجوده كوطنٍ وكدولةً إلى البطاركة الموارنة، حتى «دولة لبنان الكبير» التي احتفل اللبنانيّون بذكراها الرابعة والتسعين بالأمس يدينُ بوجوده وقيامه كدولةٍ للبطريرك الياس الحويّك ، الذي أبحر إلى باريس ليعرض القضية أمام مؤتمر الصلح ويطالب باستقلال لبنان الكبير، ودعي «بطريرك لبنان» للقول بأن جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين يؤيدون مسعاه»، وهكذا «كان..وكنّا» في تاريخنا الحديث، وعليه ندين اليوم كشعبٍ بشكرٍ واجبٍ للبطريركية المارونية وبطريركها آنذاك الياس الحويّك.
اليوم، لبنان على موعد مع جلسة «وهميّة» لانتخاب رئيسٍ ورأسٍ له، ولن يكون حال جلسة اليوم لانتخاب رئيس للجمهوريّة أحسن حالاً من سابقاتها، وسنعيد المشهد المتكرّر: «لن يكتمل النصاب وسيذهب لبنان إلى تأجيل جديد»، ويحدث هذا في ظلّ مخاوف حقيقيّة تهدّد وجودنا جميعاً كشعبٍ ووطنٍ ودولةٍ ومؤسساتٍ وكطوائفَ أيضاً لا كتهديدٍ فقط للرئاسة الأولى وما تمثّله برئيسها المسيحي المارونيّ في هذه الحقبة «المظلمة» من تاريخ المنطقة العربيّة ككلّ، في ظلّ «ترفٍ نزقٍ» يأتينا عبر اقتراحاتٍ تعجيزيّة تسعى إلى هدمِ الدّولة أولاً والموارنة ثانياً ما بين اقتراح «انتخاب رئيسٍ مباشرة من الشعب» أو اقتراح «المداورة بين الرئاسات الثلاث»!!
يُشبه المشهد اللبناني اليوم عشيّة خريف العام 1988 يوم فتحتْ «بكركي» أبوابها للنوّاب والقيادات المسيحيّة علّهم يتّفقون على تسمية رئيسٍ للجمهوريّة، وباءت كلّ اجتماعات الموارنة بالفشل لأسباب باتت تشكّل جزءاً من تاريخٍ مارونيٍّ ولبنانيٍّ مرير، ومجدّداً اللبنانيّون أمام حراكٍ ومساعيَ يبذلها بطريرك لبنان بشارة الراعي، فمن مناشدة بطاركة الشرق المسؤولين فصل انتخاب رئيس عن مسار الأوضاع الإقليمية والدولية والتفاهم لانتخاب رئيس بأسرع ما يمكن»، يضاف إليها زيارة البطريرك الراعي إلى الكرسي الرسولي في الفاتيكان ولقائه في روما سفراء الدول المعتمدين لديه، وزيارته المتوقعة واشنطن في الثامن من الجاري، فهل سيثمر هذا الحراك رئيساً للبنان، سنبقى عالقين بين لعلّ وعسى، وأغلبُ الظنِّ أن لا، برغم التهديد «الداعشي» للبنان عدا عن «قنابل» اللاجئين السوريين «الموقوتة» على أرضه وبين شعبه وطوائفه!!
وهذه الـ»لا»، لا تأتِ من فراغٍ بل من استعادة المشهد الدّامس عشية ربيع العام 1989 وما آلت إليه الأمور برغم الجهد الذي بذله في تلك السنوات المارونيّة المُرّة غبطة مار نصر الله بطرس صفير، وبرغم كلّ الضغوط الدوليّة والعربيّة، لذا ما الذي يمنع من تكرار المشهد اليوم سوى تماسك المؤسسة العسكرية المُلقى على عاتقها عبء لبناني هائل بلغ حدّ حماية الوجود والكيان وسائر مؤسسات الدولة.
وهذه الـ»لا» تأتي من واقع ما جُهِرَ به بالأمس بأنّ «الوليّ الفقيه سرّ وجود» فريقٍ متسلّطٍ على القرار والمصير اللبناني، ومستمرٌّ كتحدٍّ وسورٍ مرتفعٍ يُسدُّ كلّ الأفق اللبنانيّ في وجه أي تفاهم!!
حتى تاريخ جلسة انتخاب رئيسٍ للبلاد اليوم، لبنان ما زال في قبضة «الوليّ الفقيه» الحاكم الحقيقيّ الذي «حاصرَ وحُوصِر» في لبنان بفعل انفجار وتشظّي «عسكرته» في لبنان وسوريا، التي انهارَ مشروعه «المقدّس» فيها وفي «العراق» وهو يلعب ورقته الحوثيّة والأخيرة في اليمن، وهو مدركٌ مع فرض عقوباتٍ جديدة عليه أن مناورة «مطْمَطَة» المفاوضات النووية مع الغرب لن تقوده إلى حلّ سوى «تنازله» عن كلّ أوهام غطرسته وسيطرته على المنطقة وعن مشروعه التهديدي لفرض حجمٍ أكبر من حجمه، إيران ليست «دولة عُظمى» هذا ما سيدركه «الوليّ الفقيه» عاجلاً أم آجلاً ، وكذلك لبنان هو معادلة «عصيّة ومستعصية» عليه، وما عليه إلا أن يعتبر من تجربة من سبقوه إلى لبنان، على الأقل إلى تجربة السيطرة الفلسطينية على لبنان ووريثتها تجربة سيطرة حليفه السوريّ على لبنان.
«الوليّ الفقيه» لن يستطيع أن يقبض على لبنان طوال الوقت، فنظامه يلفظ أنفاسه في إيران، وكذا حزبه في لبنان يجني ثمار خساراته وتورّطه في سوريا، ولم يعد أمامه سوى الانكفاء إلى الداخل اللبناني مع خسارة مدويّة تكبّدها بعدما استدرج إرهاب «داعش» إلى حدود قراه، مجدداً كأنها «لو كنتُ أعلم» الشهيرة بعد حرب تموز العام 2006، وستتحول «لو لم نتدخل في سوريا لوصلت داعش إلى بيروت»إلى «لو لم نتدخّل في سوريا لما وصلت داعش إلى حدود قرانا في البقاع»!!
وبصرف النظر عن سوادويّة المشهد اللبناني ولحظته العصيبة، ندرك أن نهاية هذا المشهد هي انتخاب رئيسٍ مسيحيّ مارونيّ للبنان، فالرأس اللبناني «ياما دقّت عليه طبول».
ميرفت سيوفي