IMLebanon

هنري حلو: أنا «قابض» ترشيحي جدّ

 

 

في المجلس النيابي، كائنات مستفرسة، وأخرى جشعة يستحيل إشباعها. لكن هناك، أيضاً، كائنات لطيفة، أوصلتها الصدف إلى ساحة النجمة، أحدها النائب هنري حلو. تظن هذا الكائن اللطيف عضواً في جماعة Free Hugs. تكفي ساعة برفقته لتتحول من مستهزئ بترشحه إلى رئاسة الجمهورية إلى متعاطف معه

 

يمكن أن تقرر يوماً ما الإنصات إلى النائب فادي الأعور لتكتشف ما يودّ هذا الخارج عن بيت الطاعة المذهبية قوله، قبل أن يفاجئك بقول الشيء في مكتبه وعكسه خارجه. ويمكن أن تقصد بلدة ميروبا، في أعالي كسروان، لتكتشف أنه يمكن النائب يوسف الخليل تجيير ألفين أو ثلاثة آلاف صوت للائحته.

وستجد ألف سبب وسبب لتطرق باب النائب وليد الخوري من أجل أن تكتشف سر فوزه على الرئيس ميشال سليمان، في بلدته عمشيت، في استحقاق تلو الآخر. لكنك لن تفكر أبداً في طرق باب مكتب النائب هنري حلو، سواء كان الموضوع الذي تكتبه تشريعياً أو مناطقياً أو سياسياً: إنه مجرد أثاث جميل في المنزل الجنبلاطيّ. ثمة مناسبة واحدة تجعل احتمال التعرف ـــ صحافياً ـــ إليه وارداً، هي أرشفة بعض المعلومات عن والده النائب الراحل بيار حلو أو جده ميشال شيحا.
فجأة يُخرج النائب وليد جنبلاط الحلو من العلبة. يجلسه إلى جانبه ويعلنه مرشحاً إلى الانتخابات الرئاسية. وقبل أن يصيح الديك ثلاثاً وينكره زعيم المختارة، يحوز الحلو ستة عشر صوتاً نيابياً. سبق والده وجده مرة واحدة في كتاب التاريخ.
يجيب «فخامته» بنفسه على هاتفه، يتعثّر اللقاء الأول فيعاود هو الاتصال. وفي المكتب، يربكه الجلوس خلف الطاولة.
«أقرأ اسمي في كل الصحف. أنا في قلب المعادلة الرئاسية. أشعر بالفخر. أنا من بيت سياسي يعطي بدل أن يأخذ كغالبية البيوتات السياسية. إذا نجحت، المسؤولية كبيرة».
يطوي الحلو كمّيه. تسبق حركة يديه النطق. الشيب، الساعة في معصمه، والنظارة وعجزه عن التعبير عمّا يودّ فعلاً قوله… كلها ترسم صورته.
يروي أصدقاؤه أنه لا يزال يقصد، يومياً، الورشة التي يتعهّدها قبل التوجه إلى المجلس النيابيّ. تذكّر ثيابه بذلك. يكرر العبارة التي يتلطى خلفها غالبية النواب القليلي الإنتاج: «لا أطل إعلامياً، لكنني أعمل في منطقتي». ترتبك قليلاً، آملاً ألا يبدأ سرد بطولاته، لكنه لن يدّعي أنه التشريعي الأول ولا نائب الخطاب السياسي أو نائب الأمة. يعدد بضعة ملفات يتابعها في الوزارات. أساساً، هو من الثابتين في بلاط المختارة حين يستقبل البيك الناخبين يوم السبت. يغيب الوزير أكرم شهيب، ولا يغيب الحلو. وفجأة، يعلمك أنه آثر عام ٢٠١٠ العودة إلى الجامعة لإكمال دراسته، فتسجل في الجامعة الأميركية في بيروت. لا تحتاج إلى تصنّع الإعجاب بمشروع إنمائي إذاً، وهو لا ينتظر تطبيلاً وتزميراً. يمكن أن تسأل ما تشاء وسيبحث بهدوء عن الجواب الملائم.

لا بدّ من رئيس وسطي واللقاء الديمقراطي هو الكتلة الوسطية الرئيسية في المجلس

لا فرق بالنسبة إليه بين اقتراحه الترشح على جنبلاط أو طلب جنبلاط منه الترشح. بدأ الأمر بدردشة مع أصدقائه، ولم يكن البيك معهم، وانتهى بإعلان ترشيحه. المهم النتيجة. ولا مشكلة في إعلان ذلك من بيت جنبلاط لا من بيت بيار حلو؛ أنا ولدت في بيت يجتمع فيه الإمام موسى الصدر وكمال بيك جنبلاط، لا أعاني من عقد على هذا الصعيد. ورداً على سؤال: «نعم، أقبض ترشيحي جد». يكرر الحلو نفي وجود مناورة جنبلاطية. «يستحيل المجيء برئيس طرف. لا بدّ من رئيس وسطي، واللقاء الديمقراطي هو الكتلة الوسطية الرئيسية في المجلس النيابي».
هو بالمناسبة صديق جنبلاط أكثر منه عضواً في كتلته. وحتى حين خرج من الكتلة قبل ثلاثة أعوام احتجاجاً على إعادة تموضع جنبلاط مع قوى ٨ آذار، بقيت علاقة الأسرتين وطيدة. ويخلط بوضوح في هذا السياق، من دون قصد ربما، بين الهامش المعطى له كصديق في بعض الاجتماعات لمناقشة جنبلاط وإبداء وجهة نظره، والهامش المعطى للحزبيين وأعضاء الكتلة الجنبلاطية حين يتحدث عن ديمقراطية البيك وحصول نقاش ديمقراطي مميز في غالبية الاجتماعات.
تلميذ الليسيه، تابع دراسته الجامعية في الولايات المتحدة، ثم انتقل للعمل في الخبر في السعودية، فبريطانيا لمتابعة الدراسة، ثم مهندساً لقصر أمير قطر السابق في كان الفرنسية، ولاحقاً ـــ بعيداً عن الحرب ـــ في مونتريال الكندية. وكان، دائماً، بحسب سيرته الذاتية، ضمن فريق المستشارين الخاص بوالده حتى رحيله. واجه الحلو النائب حكمت ديب في انتخابات ٢٠٠٣ الفرعية، وغلبه. كان كثيرون يشككون بل ويستهزئون، يقول الحلو. «لكنني نجحت. وأنا كل يوم أتعلم جديداً. هذه هي السياسة والحياة». ويضيف: «أنا لا أرى أن هنري حلو قبل ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية شيء، وبعدها شيء آخر. كنت في الظل، أما الآن فالأضواء كثيرة. أنت لا تعلم عدد المقابلات التي أجريها. أحاول يومياً تحسين أدائي». يروي أصدقاؤه أن والدته (ابنة ميشال شيحا) تلعب دوراً قيادياً في حياته، وهي لا تخفي شعورها بأن بيت بيار الحلو استعاد عافيته منذ بضعة أيام فقط. أما البرنامج الرئاسي فلا حاجة إلى المطولات: «سجّل عندك. أولاً، احترام الدستور. ثانياً، تطبيق الدستور. ثالثاً، الرئيس حكم وليس فريقاً. وباختصار أكثر، المادة ٤٩ من الدستور. يجب على المرشحين إلى الرئاسة التمعن في هذه المادة أكثر».
قبل بضعة أيام، يقول أحد أصدقاء الحلو، كان الأخير يتساءل كيف أسقط بعض زملائه اسم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في صندوق الانتخاب. لم يسأل نفسه، بحسب قوله، من انتخبه ومن لا، علماً بأن عدد أصدقائه المقربين في المجلس النيابي أكثر بكثير من عدد الأصوات التي فاز بها. هو متفائل: «يد واحدة لا تصفق. أنا قادر على جمع اليدين». «لا، في حال انتخابي، لن يكون جنبلاط الرئيس، سأكون أنا الرئيس». «أنا أسمع جيداً، هكذا يقولون عني، لكني أقرر وحدي». «لن أزور الكتل النيابية لطلب الدعم، برنامجي واضح». «البلد يتجه إلى فراغ، أنا الحل».
يرافق الصحافي حتى المصعد، هو جاهز في حال وجود أي استفسار أو توضيح لمعلومة. يستعين بمثل فرنسي للقول إنه لا يراهن على جلسة اليوم. فحين تبقى المعطيات هي نفسها ستكون النتيجة هي نفسها. والأهم من الأصوات اليوم هو توفير النصاب. يشير إلى قراءته أخيراً كتباً للرئيس بشارة الخوري ومذكرات الوزير فؤاد بطرس، وهذه زادته اقتناعاً بأن الصراع السياسي موجود دائماً. المشكلة في التهجم الشخصي، وتفضيل الحسابات الشخصية على المصلحة الوطنية. يودّ لو ينتبه اللبنانيون إلى مضمون خطابه أكثر من أي شيء آخر. هو يسمع بائع الخضر والدركي وسائق الأجرة حين يوقف سيارته بقربه عند الإشارة الحمراء، جميعهم يريدون رئيساً يحل المشاكل بدل أن يعقدها. يقول إنه لا يريد القول إنهم يتحدثون عنه، لكنهم بالفعل يقصدونه.
حين يكون النائب تمام سلام رئيساً لمجلس الوزراء، لا شيء يحول دون أن يكون حلو رئيساً للجمهورية. ولعل النائب عقاب صقر يعود عندها لينتخب رئيساً للمجلس النيابي. تكفي قراءة بعض أسماء ممثلي الشعب في المجلس النيابي، ليتأكد المشككون أن كل شيء وارد. ولا يمكن، صراحة، من يرأس ميشال سليمان جمهوريتهم أن يستصعبوا التعامل مع ترشيح هنري حلو بجدية.