21 حزيران 2014
احدثت التحركات الامنية من اجل مواجهة احتمالات تهديدية للوضع في لبنان برزت لها مؤشرات في مواقع عدة موجة ذعر عميمة عززتها تحذيرات من السفارتين الاميركية والفرنسية لرعاياهما في لبنان بالتزام الحذر في التنقل وحصره بحالات الضرورة فيما عكست مواقف السياسيين مخاوف حقيقية من تداعيات امنية خطيرة على خلفية التطورات الدرامية في العراق. هذه التطورات الامنية فاجأت اللبنانيين من حيث اتساعها وشمولها مناطق عدة على نحو خشي البعض من صحة وحجم المخاطر التي تشكلها هذه التطورات فيما خشي آخرون من طابع حذر استباقي قد تتم المبالغة في مظاهره نتيجة التخوف الحقيقي على الوضع وتفجره. لكن اوساطاً عدة لم تخف ان تكون للدينامية التي طبعت الحركة الامنية لجهة ترجمتها وجود تهديدات حقيقية مجدداً كما حصل في المرحلة التي سبقت تأليف الحكومة الحالية اثار سلبية بالغة على موسم الاصطياف الذي يستعد له لبنان خصوصاً مع بدء الصيف وشهر رمضان.
غالبية الاسئلة التي اثارتها التطورات الامنية تمحورت في ضوء ما حصل حول ما اذا كان لبنان غدا ساحة مواجهة مكملة وتالياً واحدة مع ساحتي العراق وسوريا على صعيد الصراع المذهبي بالتوازي مع كونه ساحة صراع سياسي اقليمياً ومحلياً واذا كان ما قيل ان اقفال الحدود مع سوريا ساهم في وقف التفجيرات لم يشكل سوى استراحة المحارب بالنسبة الى تنظيمات او قوى قد تكون استطاعت ان تستعيد قوتها ونشاطاتها بعض الشيء.
ويبدو هذا السؤال تحديداً اي اذا كان لبنان يكمل المشهد في العراق وسوريا في رأي مراقبين سياسيين مبالغاً به بعض الشيء على رغم وجاهة الاسباب التي تبرره. اذ ان المعادلة التي تحكم الوضع السياسي في لبنان لم تتغير حتى الآن على الاقل على رغم الهزة الأمنية الجديدة التي يمكن ان يعبرها لبنان في ضوء التطورات العراقية والسورية على حد سواء. اذ ان القرار الاقليمي والدولي بالمحافظة على استقرار الوضع في لبنان لا يزال ساري المفعول وفق ما يغلب الاعتقاد وتالياً لا مصلحة لأي من الاطراف المؤثرين والفاعلين بانتقال الحرب المذهبية الى لبنان في المرحلة الراهنة. وهذا لا يعني حكماً بان حوادث امنية ارهابية او اي حوادث تساهم في اضطراب الوضع على وقع ما يحصل في دول الجوار هي أمر يمكن تحصين لبنان ضده على نحو كلي نظراً الى ان من يمكن ان يقوم بهذه الحوادث كرد فعل على اي تطور في العراق او في سوريا لا ينضوي ضرورة تحت سقف القوى التي لا ترغب في اهتزاز الاستقرار اللبناني في هذه المرحلة وتالياً منخرطاً حكما في لعبة الاستقرار السياسي والامني في البلد، بل هو على الارجح ضدها ويعمل من خارجها على اهداف اخرى. ولكن في ضوء هذا الاعتقاد لا يعتقد في الوقت نفسه بوجود قدرة لدى هؤلاء بتسعير الحرب الاهلية مذهبيا في لبنان اذا كان لا قرار بذلك ولا يعتقد ان احداً من الاطراف المنخرطين في الازمة العراقية او السورية قادر على فتح جبهة جديدة في لبنان في الوقت الراهن او لديه مصلحة في ذلك نظرا الى ان تحول لبنان ساحة مكملة للساحتين السورية والعراقية سيكون باهظ الكلفة جدا على نحو غير ممكن احتماله.
كما لا يعتقد في الوقت نفسه وتبعاً لعدم وجود قرار بتسعير الحرب الاهلية في لبنان بوجود بيئة حاضنة تسمح لهؤلاء بان يتخطوا الاطار الذي يتفاعلون فيه الى ما هو ابعد من ذلك على غرار البيئة التي تلقفت ما قامت به الدولة الاسلامية في العراق والشام نتيجة اداء سيئ جداً لرئيس الوزراء نوري المالكي ادى الى تفكيك العراق ودفعه نحو التفتت والانقسام ما شكل ورطة كبيرة لايران باتت تلوم عليها الولايات المتحدة لعدم رغبة هذه الاخيرة في “محاربة الارهاب” كما قالت في ضوء عدم تجاوب الولايات المتحدة مع طلب السلطات العراقية قصف معسكرات داعش في العراق.
ثمة من يضيف عاملاً اخر لاستبعاد استدراج لبنان الى اتون العراق وسوريا هو ان لدى الافرقاء السياسيين في لبنان وعياً كافياً يحول ليس فقط دون توظيف التوتر الامني في اتجاهات قد تؤول الى قتال داخلي بل ان ليس من طرف سياسي مستعد لان يبادل الطرف الاخر اي مواجهة في حال ذهب هذا الاخير اليها.
هذا لا ينفي بطبيعة الحال وجود توتر مذهبي وسياسي يتشظى من العراق وصولا الى لبنان، لكن دون تحوله الى أفعال مهددة للبنان بفعل وجود قرار كبير بذلك لاعتبارات مختلفة لا مجال للدخول فيها وهو قرار يستمر في حماية لبنان حتى اشعار اخر. وقبل ايام قليلة كان ثمة مؤتمر دولي في روما دعما للجيش اللبناني حيث اكد كل ممثلي الدول المشاركة الحرص على استقرار لبنان وتحصينه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة.
هل يمكن ان تشكل التهديدات الامنية المتجددة عاملاً مؤثراً في الدفع نحو تذليل العقد السياسية على صعيد عمل الحكومة تحديداً وصولاً الى الدفع نحو الاتفاق على انجاز الانتخابات الرئاسية؟
هذا ما يأمله كثر في الواقع لكن لا مؤشرات فعلية حتى الان على الاقل وما لم تتطور التهديدات الامنية وتكون قابلة للتوظيف في اتجاه سياسي ضاغط في اتجاهات معينة على ان الروزنامة السياسية في البلد عرضة للتغيير قريبا . فهل تسلك الامور هذا المسار؟