IMLebanon

هولاند: لا خيار بين البربريتين

 

قد لا يكون فرنسوا هولاند الرئيس الذي كانت فرنسا والفرنسيون يريدونه ويحتاجونه. لم ينجح هولاند في حل مشكلة فرنسية داخلية. لا بل ان الازمة تعمقت وأصبحت ازمات، الاقتصاد تراجع، اليمين المتطرف تقدم وهو يشكل خطراً حقيقياً في الانتخابات المقبلة. فرنسا كلها في خطر. اذا كانت فرنسا في خطر، معنى ذلك ان جزءاً مهما من العالم في خطر، مهما بلغ حجم تراجع فرنسا، فإنها تبقى ضرورة في العالم، خصوصا في اوروبا، ما زال لديها الكثير لتقدمه. فرنسا تملك نظاماً ديموقراطياً، قادرا على التجدد والخروج من ازمة اساسها الفقر في القيادات. ليس مطلوباً ان يأتي رئيس بحجم ديغول حتى تعود فرنسا، المطلوب أن يأتي رئيس جمهورية لديه مشروع حقيقي، وقدرات ذاتية وموضوعية لتنفيذه.

انحدار شعبية فرنسوا هولاند الى ادنى درجة في تاريخ الجمهورية الخامسة، لا يعني ان الرجل لا شيء. فشل هولاند كثيراً لكنه نجح ايضاً في التعامل مع السياسة الخارجية. اثبت هولاند ان لديه تطلعات ورؤى كثيرة لكن «العين بصيرة واليد قصيرة». موقفه من سوريا والثورة من اليوم الأول للثورة، متميز يؤكد امتلاكه البصر والبصيرة، لم ينجح هولاند لأن قائد العربة الغربية، باراك اوباما رئيس يخاف من المواجهة والصدام فكيف بالحرب الى درجة انه مع الوقت اصبح رئيساً متردداً لا يملك رؤية ولا حتى استراتيجية. يقول ما يجب وينفذ عكس ما يقوله، انتهت الأوبامية وهي تتقلب فوق نار الشرق الاوسط، في مرحلة تقدمت فيه البوتينية وكان عصراً جديداً قد بدأ معها، ايران قامت باقتحام النار وكأنها ستربح كل شيء حتى ولو نزفت قواها وخسرت مصداقية كل خطاباتها الثورية.

المشكلة دائماً، ان الصغار يدفعون شعوبهم لدفع الثمن، خصوصاً اذا كان بينهم من يؤمن انه لاعب كبير قادر على تغيير الخرائط، في وقت ليس فيه الأسد اكثر من بيدق ينتهي متى استنفد دوره. خلق الأسد ومعه كل الأسديين وصنائعه من الممانعين، اسطورة بأنه قادر على البقاء الى الابد، لأنه نجح في جعل نفسه حاجة دائمة. حالياً يصدق الأسديون على مختلف اشكالهم والوانهم، ان الحرب ضد ارهاب «داعش» والنصرة لها شريك واحد هو بشار الأسد، العالم وليس فقط الولايات المتحدة الاميركية بحاجة له، لذا يمكنه فرض شروطه، وما على الآخرين سوى تقديم ما يطلبه مع الشكر لأنه يقبل التعاون معهم.

«الأسديون» و«الممانعون» احرار في ان يعتقدوا ما يريدون. لكن توجد دائماً ثوابت لا يمكن لاحد نفي وجودها، حتى ولو جرى طيها احياناً. من هذه الثوابت، لا يمكن الغاء الاكثرية، لمصلحة الاقلية مهما كانت قوية وطموحة ومقاتلة. هذه الحقيقة وصلت اخيراً الى البيت الابيض، اوباما لم يعد يمكنه تجاهلها مهما كان ضعيفاً غير قادر على الفعل. الشراكة هي الحل.

«داعش» أيقظ بالخوف العجز الأوبامي ودعم موقف هولاند القديم المتجدد. الآن توجد نقاط ثابتة في رؤى استراتيجية صالحة للسنوات القادمة. اوباما قال جزءاً منها وهولاند اكد ثوابتها التي كان قد تبناها قبل اكثر من سنة امام سفرائه:

[ «لقد فقد الأسد شرعيته بالقاء البراميل المتفجرة على العائلات البريئة».

[ «يجب ان نعطي الناس خياراً بديلا من «داعش» والأسد».

[ «لا ارى سيناريو يمكن للاسد ان يكون قادراً فيه على تحقيق السلام والاستقرار في منطقة ذات غالبية سنية».

هذا ما قاله الرئيس اوباما. طبعاً لا يعني ذلك ان القوات الاميركية تستعد لكسر الحدود السورية، لكن من المؤكد ان تحولاً قد حصل. الرئيس فرنسوا هولاند صاغ هذه الاستراتيجية امام سفراء فرنسا في العالم فقال:

[ «قلت امامكم العام الماضي ان عدم التحرك يفيد المتطرفين وقد ثبت كلامي… اليوم ازداد الخطر لا بل اصبح هائلاً».

[ «لتكن الأمور واضحة بشار الأسد لا يمكن ان يكون شريكاً في مكافحة الارهاب فهو الحليف الموضوعي للجهاديين».

[ «لا خيار ممكناً بين بربريتين» («داعش» والأسد).

[ «على المجتمع الدولي ان يسلح قوات المعارضة التي تحارب».

انتهى زمن «الافراط في العزلة»، العالم ايقن انه لا يمكن الطلب من «الضفدعة نقل العقرب على ظهرها». لذلك الحل لا «داعش». لا الأسد.