IMLebanon

هولاند و«داعش» والأسد

 

لا يخرج الموقف الذي أعلنه الرئيس فرنسوا هولاند بالأمس لجهة عدم اعتبار بشار الاسد جزءاً من الحرب على الارهاب، عن السياسة الرسمية الفرنسية المعلنة والمعروفة، والمتميزة في كل حال، إزاء مجمل الوضع السوري.

هولاند هو أرفع مسؤول دولي يُعلن بوضوح، ان الاسد لا يمكنه أن يكون شريكاً في الحرب على الارهاب فحسب، بل هو في واقع الحال شريك لذلك الارهاب.. قبل هولاند، كان الناطق باسم الخارجية الالمانية صاحب اسرع رد على المؤتمر الاستجدائي الأخير للوزير الاسدي وليد المعلم، ثم كرّست دوائر القرار في واشنطن ذلك التوجه العام، وان كان في سياق مُبهم وتفوح منه روائح الاستثمار السياسي أكثر من الرغبة الحاسمة بمحاربة إرهاب «داعش» و«الظروف» التي أنتجته!

أهمية ما يقوله هولاند تكمن في انه جاء ليحرم الاسد من استثمار أهم واخطر انعطافة في الوضع السوري منذ اندلاع الثورة في منتصف آذار 2011 بحيث ان «داعش» أنتج ردّ فعل سلبيًّا على السلطة في دمشق، فيما كان أملها العكس تماماً.. ووحدها هذه السلطة، (ومن معها ويقاتل عنها ومعها) لا تزال مركوبة بوهم قدرتها على إعادة عقارب الساعة الى الوراء، وإعادة تعويم وظائفها التي تحطّمت وتبخّرت، ودفع «المجتمع الدولي» الى إعادة النظر في موقفه منها.

واقعة ضرب الغوطة بالكيماوي ساعدتها على اجترار الوهم، فظنّت أن العالم الذي تفرج على تلك المذبحة المخزية ولم يفعل شيئاً تغييرياً حاسماً، لا يحتاج إلاّ الى دفعة استثنائية اضافية، ارهابية تكفيرية مثل «داعش» تحديداً، من أجل إخراجه من موقفه السلبي الملتبس الى موقف ايجابي براغماتي واضح: بين الاسد و«داعش»، الاختيار الأول!

ما قاله هولاند ضَرَبَ ذلك الوتر تحديداً. غيره (في واشنطن أولاً وخصوصاً) حَسَمَ نقطة رفض اعتبار الاسد «شريكاً» في مكافحة الارهاب، هو حَسَمَ النقطة الثانية والأهم: الارهاب يساوي الاسد مثلما يساوي «داعش».. والاتكاء الفرنسي ليس فقط على جملة الاعتبارات والمواقف المبدئية من طاغية سفّاح عزّ نظيره في التاريخ الحديث، بل ايضاً على وقائع وحقائق تقول أن الاسد صارَ مثل التاجر المنكوب، شيكاته بلا رصيد وصدقيته توازي الصفر لا أكثر.

تكفي نظرة سريعة الى التطورات الميدانية التي أعقبت انفجار خبرية «داعش» لتأكيد فقدان السلطة القدرة على إنجاز أي وظيفة سوى تلك المتعلّقة بالتدمير العبثي والهستيري لما تبقّى من عمران واجتماع بشري في سوريا: في اسبوع واحد خسرت «اللواء 93» و«مطار الطبقة». ويوماً بعد يوم يتبين مدى أهمية هذين الموقعين الميدانية والمعنى التام لسقوطهما وتأثير ذلك السقوط على مجمل خارطة المواجهات في طول البلاد وعرضها ومن القلمون الى القنيطرة!

قبل «داعش» ألغى المجتمع الدولي الأسد من حساباته لكنه لم يفعل شيئاً حاسماً لإسقاطه. بعد «داعش» اختلفت الصورة، وان كان نقاؤها التام لا يزال عرضة لضبابية الموقف الاميركي وحساباته واستثماراته!