الإجتماعات الفرنسية – الأميركية – اللبنانية في باريس لم تلقَ بذوراً لتسوية
هولاند وكيري اتفقا على حفظ إستقرار لبنان ما دام انتخاب الرئيس متعذّراً حالياً
أزمة الإنتخابات الرئاسية في دائرة المراوحة.. والفاتيكان يدخل على خط التواصل
شهر وتسعة أيام على خروج الرئيس ميشال سليمان من قصر بعبدا وبداية الشغور الرئاسي، لم تبرز في الأفق اللبناني أو المشهدين الإقليمي والدولي أية معطيات تشي بإمكانية الوصول الى تفاهم على إسم الرئيس الذي سيجلس على كرسي الرئاسة، لا بل إن المؤشرات الداخلية والخارجية تؤكد بأن الأمور حول هذا الاستحقاق أصبحت أكثر تعقيداً بفعل التطورات الدراماتيكية على المستويين السياسي والعسكري في المنطقة وعلى وجه الخصوص في سوريا والعراق، وهو ما يعني أن جلسة الانتخاب اليوم لن تكون مختلفة عمّا سبقها من جلسات مماثلة لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، وسيضرب الرئيس نبيه بري موعداً جديداً وهو المُدرك تماماً بأنه لا يمكن ولوج هذه الانتخابات من دون أن يكون هناك تفاهم مُسبق على المستوى اللبناني ومناخات ملائمة على المستوى الخارجي.
وفي هذا المجال يكشف مصدر وزاري واسع الاطلاع أن الاتصالات والمشاورات التي جرت في الأيام العشر الأخيرة لم تؤد الى حصول أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية، إن كان ذلك على مستوى لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع الرئيس ميشال سليمان، أو اجتماع الرئيس سليمان مع الرئيس سعد الحريري، أو اجتماع الرئيس الحريري مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري، أو اجتماعات النائب وليد جنبلاط مع الرئيس الفرنسي وكذلك مع الرئيس الحريري، إضافة الى الاتصالات والمشاورات التي تجري بعيداً عن الأنظار.
ويقول المصدر إن هذه الاتصالات ربما تكون قد حركت المياه السياسية الراكدة الى حدٍّ ما، غير أنها لم تلقَ بذوراً لتسوية، وهنا تكمن الخطورة، لأن هذه الاتصالات تجري بين أطراف أساسيين، إن كان في فرنسا، أو في أميركا، أو بين لاعبين أساسيين على المستوى اللبناني هما الحريري وجنبلاط، بالإضافة الى الدور الذي يقوم به الرئيس ميشال سليمان، وكل هذا يعني أن الأزمة الرئاسية طويلة، وأن ما يؤكد صعوبة حصول الانتخابات الرئاسية من خلال المعادلات الحالية، هو إقدام العماد ميشال عون على طرح التعديل الدستوري وكأنه فقد الأمل بإجراء الانتخابات من خلال الدستور الحالي ووصوله الى قصر بعبدا، كون أن موازين القوى في لبنان وخارجه لا تسمح لوصول مرشح الى القصر الجمهوري لا يستطيع أن يعبر الطوائف والمحاور والكتل، وهذا لا ينطبق على عون وحده، بل ينطبق على أكثر من مرشح طامح بالرئاسة الأولى.
ويكشف المصدر الوزاري ذاته أن لديه معلومات تشير الى أنه خلال استعراض المواقف بالنسبة للبنان بين الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الأميركية الذي زار باريس مؤخراً، تكوّنت لديهما قناعة مفادها أن حصول الانتخابات الرئاسية في لبنان متعذّر حالياً، وأنه من الضروري التركيز على حفظ الاستقرار السياسي والأمني في لبنان بانتظار بروز معطيات تسمح بإجراء هذه الانتخابات، وهذا بالتأكيد بحسب قناعة الرجلين لن يحصل قبل معرفة مسار ومصير التطورات في العراق إن كان على المستوى الميداني من خلال تقدّم «داعش» أو كيانياً من خلال إعلان البرزاني استقلال الإقليم الكردستاني، ولا سياسياً من خلال التغيير الحكومي ومعرفة مصير المالكي.
ويلفت المصدر الوزاري واسع الاطلاع الى أنه من خلال الاتصالات الأميركية – الفرنسية تبيّن للقائمين بها ضرورة إيلاء الوضعين العراقي والسوري الأهمية على الأجندة الدولية، وبالتالي تحييد لبنان أمنياً في الوقت الذي تعذّر تحييده سياسياً عن أزمات المنطقة.
وينقل المصدر عن مصادر فرنسية أن الفاتيكان شرع في إجراء مروحة من الاتصالات مع الدول الخمس الكبرى حول الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وأنه ينتظر أن يستكمل الفاتيكان اتصالاته هذه مطلع الأسبوع المقبل، وسيتم إطلاع الحكومة اللبنانية على النتائج عبر القاصد الرسولي لاستمزاج الرأي ومعرفة الموقف اللبناني من الطروحات التي يتم تداولها بشأن الاستحقاق الرئاسي.
وفي رأي المصدر الوزاري أن الساحة اللبنانية ستعيش حالة من الانتظار والترقب الأمني والحذر السياسي، والشغور الدستوري، وبين هذه النقاط سيكون عمل مجلس النواب جزئياً، وكذلك عمل الحكومة أيضاً، وهو ما يعني أن لا قرارات كبيرة ستتخذ، ولا ملفات كبيرة ستقارب في هذه الآونة بانتظار إنجاز الاستحقاق الرئاسي الذي على ما يبدو علّقت على حباله كل الملفات، وأن جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء سيقتصر على بنود عادية لتفادي أي خلاف من شأنه أن يعكّر أجواء مجلس الوزراء، ويشظي التضامن الوزاري المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، للحفاظ على الاستقرار العام في ظل الحريق المندلع في المنطقة والذي يخشى امتداده لا سمح الله الى الداخل اللبناني، سيّما وأن التفجيرات الأخيرة التي حصلت إن في ضهر البيدر أو في منطقة الروشة إضافة الى اعتقال عناصر إرهابية يؤكد بأن لبنان في عين العاصفة، وأن على اللبنانيين اتخاذ كل الاجراءات السياسية والأمنية لتفادي تفاقم هذا الوضع الخطير.
ويحذّر المصدر الوزاري من أن إطالة أمد الفراغ الرئاسي يعني بقاء لبنان في دائرة المراوحة وهذا المناخ بحدّ ذاته سيكون له تأثيرات سلبية على مختلف الصعد، بعد أن بات لدى الجميع قناعة تامة بأن العمل الحكومي والعمل التشريعي لن يستقيما ما دام الفراغ الرئاسي يستوطن قصر بعبدا.