لا يترك الساسة الغربيون مناسبة إلا يؤكدون خلالها حرصهم على استقرار لبنان. برغم ذلك، لم يضيّع مسؤولون أميركيون والاستخبارت الفرنسية فرصة خلال الأسابيع الماضية إلا استغلوها للتهويل على لبنان بالنموذجين العراقي والسوري
ميسم رزق
تعدّدت المواقف الأميركية التي تُشير بالتلميح تارةً، وبالتصريح تارة أخرى إلى حتمية أن لبنان سيغرق في رمال الصحراء العراقية والوحول السورية. آخرها كان أن «لبنان لن يسلم من العاصفة المذهبية في المنطقة». هذا الكلام نقله سياسيون لبنانيون عن مسؤولين أميركيين.
أحد السياسيين الذين التقوا أخيراً مسؤولين في الإدارة الأميركية قال لـ«الأخبار» إن «واشنطن شبه مقتنعة بأن لبنان لن يستطيع تخطّي هذه المرحلة بسلام. والإدارة تجزم بناء على معلومات وتحليلات بأن المخيمات لن تظل هادئة في المدى المنظور». ولفت إلى أن الأميركيين يردّون على سؤالنا عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان وضرورة وجود ضغط دولي لانتخاب رئيس، بسؤال آخر «هل الرئاسة مهمّة في لبنان ويمُكن أن تمنع الخطر الأصولي الواصل إليه؟».
قد يكون الكلام الأميركي لمسؤولين لبنانيين أقرب إلى التهويل، لكن هل يُمكن وضعه في إطار إعداد المناخ السياسي المحلي، الإقليمي والدولي لانفجار الوضع في لبنان؟ سياسيون لبنانيون عادوا اخيراً من واشنطن يذكّرون بموقف وزير الخارجية الاميركي جون كيري، الذي زار بيروت قبل أسابيع ليشدد على «أهمية الاستقرار فيه، والقرار الدولي الذي يمثل مظلّة لحماية لبنان من الانزلاق أمنياً». ويرفض السياسيون اللبنانيون انفسهم «تعظيم الامور»، الذي يمارسه الاميركيون. فهم يرون أن «أي قراءة منطقية لما يحصل داخل العراق وسوريا حالياً، لا بد لها أن تضع لبنان في دائرة الخطر التي تحدث الأميركيون عنها. علماً أن العمليات الأمنية التي ضربت عدداً من المناطق اللبنانية، ولا سيما تلك العمليات الانتحارية، ووجود عدد لا بأس به من الإرهابيين، يؤكّدان أن البلد لن يتخطى الأزمة قريباً، لكنه لن ينفجر».
تبدو عكار متروكةللمحرّضين على الجيش الذي لم ينل من الغرب سوى الدعم الكلامي
التهويل الاميركي «السياسي والدبلوماسي» يتقاطع مع تهويل فرنسي، مصدره استخباري. فبحسب مراجع امنية، ترسل الاستخبارات الفرنسية إلى أجهزة امنية لبنانية معلومات مبالغ في مضمونها، وخاصة لناحية التحذير من عدد كبير من الانتحاريين المفترضين الذين يدخلون لبنان، أو لناحية الاهداف التي يعمل هؤلاء «الانتحاريون» لتفجيرها.
وبرغم التهويل الأميركي والفرنسي، فإن سياسيين عائدين من العاصمة الاميركية متفائلون بوجود عوامل داخلية وخارجية تحول دون سورنة لبنان أو عرقنته. عوامل أساسها عدم رغبة أي من الدول الكبرى في تحويل لبنان إلى بؤرة إرهاب. داخلياً، يبدو حزب الله هو الضامن الأساسي لعدم الانفجار. برأي المصادر، التي تُعد أقرب إلى فريق الرابع عشر آذار، «يرى الحزب أن لبنان هو مكان استراحته الذي ينطلق منه للمواجهة في سوريا، أو أي مكان آخر يهدده. وهو يريد (أي الحزب) أن يبقى لبنان هادئاً، بهدف أن تكون البيئة الحاضنة له مرتاحة. كما أنه لا يريد إقحام لبنان في أي صراع خارجي». إلى جانب حزب الله، يأتي تيار المستقبل، الذي «يتقاطع مع حزب الله في موضوع محاربة الإرهاب»، حيث الّفا معاً «حكومة شراكة أمنية، لا شراكة وطنية»، بحسب المصادر ذاتها. يعلم تيار المستقبل أن «تنامي التطرف السني في المنطقة، ووصوله إلى لبنان، يعنيان أن يعيّن أحد عناصر الحركات الأصولية أميراً في بيت الوسط، بدلاً من الرئيس سعد الحريري». أما العامل الخارجي الذي تحدثت عنه المصادر، فيجمع بين كل من إيران، التي «تضع ضمن أولوياتها عنوان تخفيف الحمل، إذا صح التعبير، عن الحزب في لبنان، والمملكة العربية السعودية، التي ترى أن المستقبل هو ممثلها الشرعي والوحيد في لبنان، في ظل الحملة التي تقودها حالياً للدفاع عن نفسها، بأنها مع الاعتدال ضد الإرهاب»، إضافة إلى العوامل السياسية، تحدثّت المصادر عن عوامل جغرافية تمنع هذا الانفجار، أهمها «عدم وجود منافذ بحرية أو برّية لدخول المجموعات الأصولية بأعداد كبيرة، باستثناء مجموعة من العناصر التي تدخل إلى لبنان بطريقة شرعية عبر المطار»، وهذا الأمر «يسهل على الجهات الأمنية ملاحقتهم في ظل وجود تعاون مع أجهزة استخبارات دولية». مصادر أخرى «غير قريبة من فريق الثامن من آذار» تتحدّث عن عامل إضافي سيحول دون انفجار لبنان، وهو أن «حزب الله حمى ظهره من خلال السيطرة على منطقة القلمون السورية». وبحسب المصادر ذاتها، «فإن نقطة الضعف الوحيدة في لبنان هي منطقة الشمال، وتحديداً عكار، التي تبدو متروكة للمحرّضين على الدولة وعلى الجيش، الذي لم ينل من الغرب سوى الدعم الكلامي».