ربما كانت الايجابية الوحيدة حتى الان لمرحلة “التهدئة ” التي جرى التوافق عليها في مطلع العام الحالي، احساس المواطن ان الامن اليومي تحسن بعض الشيء، وان الحياة السياسية، على رغم تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدو في حال استرخاء واضح، حيث تراجعت حدة الخطاب السياسي الى حد بعيد، وان لم يحصل اي حل جدي لعمق الازمة اللبنانية المتمثل اساسا بسلاح “حزب الله” واجندته، وووظيفته، وطبيعته المنافية للتوازنات اللبنانية الدقيقة.
و اذا كان “حزب الله” المتورط اكثر من اي وقت مضى في الدماء السورية قد استراح بعد تراجع الحملة السياسية الداخلية عليه، فإنه لا يمر يوم إلا يعيد الى لبنان جثث مقاتلين له سقطوا في سوريا، ولن يمر وقت طويل قبل ان يسترجع جثث مقاتلين جدد سيسقطون على ارض العراق بنتيجة تورط “حزب الله” في العراق أخيراً.
لا نقول ان الحزب المشار اليه متورط في العراق بالمستوى نفسه، انما هو متورط بالتأكيد على مستوى “النخبة ” في سياق المشروع الايراني العابر للحدود من العراق الى فلسطين. ومع ورود معلومات عن تورط “حزب الله ” في العراق، سيزداد ارتباط الساحة اللبنانية بالصراعات الاقليمية، حتى في ظل التوافقات المرحلية داخليا والتي انتجت اكثر من “خطة امنية ” نفذت كلها في مناطق خارج نفوذ “حزب الله”. لكن التوافقات المنتجة لهذه الخطط الامنية قد لا تكفي لحماية “التهدئة ” المؤقتة التي لا ترتقي الى تسوية، اذا ما استمر الكيل بمكيالين بهذا الشكل الفاضح. فثمة فئة من الناس مصنفة في خانة “الارهاب “، او تكاد، وثمة فئة اخرى تمارس الارهاب في سوريا والعراق علنا، وعلى مرأى من المؤسسات الامنية والعسكرية، ولا تعبأ بالرأي العام المناهض لتوجهاتها. والأنكى ان المؤسسات الامنية المغطاة من وزراء ١٤ آذار لا تعمل فعليا إلا في مكان واحد، وفي اتجاه واحد، في حين ان الشعور العام لدى ملايين اللبنانيين والعرب والمسلمين يصنف “حزب الله” في خانة “داعش “. بمعنى آخر ان “حزب الله” هو الوجه الآخر لـ”داعش”، او قل ان “داعش” هي الوجه الآخر لـ”حزب الله”. ان العمليات التفجيرية التي استهدفت الضاحية وغيرها لم تكن قبل تورط “حزب الله”، والتاريخ يشهد. ومهمة المؤسسات العسكرية – الامنية التي تقضي بحماية لبنان واللبنانيين لا تشمل حماية تورط “حزب الله” في الدماء السورية والعراقية وارتكابه اعمالا ارهابية على ارض الغير ايضا. هذا ما ينبغي التذكير به ليس فقط في بيانات يتيمة هنا وهناك، بل وعلى طاولة مجلس الوزراء.
علينا ترسيخ “التهدئة”، لكن علينا ايضا الا ننسى الحقائق وألا نساوم على كل شيء بما في ذلك على الدماء الغالية!