الخبراء في الشرق الأوسط في واشنطن، والمتابعون يومياً الأوضاع في العراق بعد سيطرة “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على قسم كبير من المنطقة السنّية فيه، مقتنعون بأن العراق صار “مهمة مستحيلة” بالنسبة الى رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري. وفي اتصال مع أحد البارزين منهم قال إن العراق قد سقط سقطة كبيرة. وتابع واصفاً الوضع فيه الآن من خلال عشر نقاط مهمة جداً في رأيه. الأولى تشير إلى أن رئيس الوزراء نوري المالكي قد وافق رسمياً على تأليف “حكومة جامعة” تضم مكوِّنات الشعب العراقي كلها. لكن الأقلية السنّية العربية في بلاده كما أكراد كردستان العراقية لن يثقوا به أبداً ومعهم العشائر المتنوعة، ولذلك فإنهم قد لا يسهِّلون تأليف الحكومة المذكورة إلا بعد تنحّيه. والنقطة الثانية تشير إلى أن الشعب الكردي في العراق أبلغ إلى الوزير كيري أنهم يريدون الاستقلال في دولة لهم وأنهم لن يقبلوا أقل من ذلك، علماً أنهم قد يقبلون في النهاية حكماً ذاتياً مطلقاً وخصوصاً إذا لمسوا أن إيران وتركيا لن تتساهلا مع قيام دولة كردية مستقلة على حدوديهما. والنقطة الثالثة تشير إلى أن الجيش النظامي العراقي لم يعد قادراً على “تحرير” الأراضي التي “شلَّحتها” اياه “داعش”. فمن جهة معظم عناصره المنتمين إلى الأقلية السنّية فروا منه. ولا يبدو أن عودتهم إليه ستكون سهلة عليهم أو على نظام بغداد. والنقطة الرابعة تشير إلى أن تدريب ما تبقى من الجيش النظامي سيحتاج إلى وقت طويل جداً في الوقت الذي يقوِّي المتطرفون الإسلاميون السنّة مواقعهم الجديدة، ويحوّلون أنفسهم جيشاً نظامياً بمساعدة من الضباط الذين فروا أخيراً من الجيش، والآخرين الذين كانوا يعملون بأمرة الرئيس الراحل صدام حسين. والنقطة الخامسة تشير إلى أن تدريب الجيش النظامي على حرب العصابات سيكون أكثر صعوبة وسيأخذ وقتاً أطول وبما لا يقاس. وفي وقت كهذا يكون أكراد الشمال والإسلاميون المتطرفون السنّة في الوسط قد دعّموا مواقعهم وتحصيناتهم، وصاروا جاهزين للدفاع عن المناطق التي احتلوها. والنقطة السادسة تشير إلى أنّ الوزير الأميركي كيري طلب من زعماء المنطقة وقادتها وخصوصاً في الأردن والسعودية ومصر وتركيا المساعدة لإنجاز مهمة مساعدة العراق من أجل إلحاق الهزيمة بـ”داعش” ومتطرفيها. لكنه وسائر الأميركيين في الإدارة وخارجها يعرفون أن لهؤلاء الزعماء مشكلات جمَّة ومعقّدة وصعبة مع المتطرفين الإسلاميين داخل بلدانهم. ويعرفون ايضاً أنهم (أي الزعماء) يرغبون في رؤية سنّة العراق من العرب يوافقون على تسوية قبل إقدامهم على ممارسة أي ضغط عليهم. والموافقة المشار إليها لا تبدو واقعية. والنقطة السابعة تشير إلى أن تورّط أميركا أو بالأحرى تدخلها في تدريب الجيش العراقي النظامي، وفي تعليمه طريقة “تحرير” الأراضي “المحتلة” من “داعش” لا يلائم الزعماء الأقليميين المشار إليهم أعلاه. إذ سيبدو ذلك اصطفافاً أميركياً مع الغالبية الشيعية في العراق ضد الأقليتين السنّية العربية والسنّية الكردية. والاثنتان تتشاركان معهم وشعوبهم الانتماء إلى السنّة. والنقطة الثامنة تشير إلى أن إقدام الولايات المتحدة على تنفيذ عملية أو عمليات محدودة ضد المتطرفين السنّة من دون تقديم مساعدات ملموسة إلى الثائرين على نظام الأسد في سوريا لا بد أن يُظهرها مصطفّة مع أحد الفرعين الإسلاميين الكبيرين ضد الآخر. والنقطة التاسعة تشير إلى أن الذريعة التي يستعملها الراغبون في تورط أميركا ضد مسلحي “داعش” في العراق والذين منهم يتدفقون إلى المنطقة، وهي أن هؤلاء سيصبحون خطراً جدياً وداهماً عليها، لا تحمل وزناً كبيراً عند الزعماء الاقليميين. فمعظم هؤلاء سيموتون في النهاية في ساحات القتال، وقلة منهم فقط تستطيع العودة إلى بلدانها حيث ستُسجن أو ستُقتل. أما النقطة العاشرة والأخيرة فهي أن المتطوعين المتطرفين المتدفقين يأتون من مناطق بعيدة حيث كانوا يشكلون خطراً على حلفاء لأميركا. وإذا تركوها للانضمام إلى متطرفي العراق فان بعض الهدوء سيعمّ هذه المناطق وخصوصاً شمال أفريقيا ووسطها.
في نهاية الاتصال تساءل الخبير الأميركي البارز نفسه: من يستفيد من حرب مذهبية بين المسلمين؟ ثم أجاب: الجميع. أميركا وحلفاؤها وروسيا وحتى الصين. فهؤلاء عانوا ولا يزالون يعانون الأمرين من التطرّف الإسلامي السنّي والشيعي. فلماذا يتدخلون؟ وحدها إيران تستطيع التدخُّل ووقف الصراع، ولكن بسياسة مختلفة، في العراق وسوريا ومع “حزب الله” اللبناني والبحرين واليمن، فهل تفعل؟