IMLebanon

وحدهم المجانين يُحسدون!

تتساءل بفزع تصاعدي كم في لبنان من قادة سياسيين يعرفون فعلا طبيعة الارض الساخنة التي يغلي فوقها البقاع؟ هل يشعر معظم القادة السياسيين أن زمناً انقلب وبدأ يحل مكانه زمن آخر زاحف بفوضى مفضية لا محالة الى انفلات في لحظة لن يكون بعدها اي شيء مماثلا لما كان قبلها؟ هل يعتري هؤلاء فضول التعمق في معرفة ما يعتمل على امتداد الحدود الشرقية من عرسال الى وادي التيم من التهابات كامنة مزمنة على وقع ارتباطها بالحرب السورية والجماعات المتحاربة وروابط هذه الجماعات بالبعد الطائفي والمذهبي مع الجماعات اللبنانية؟ هل يكلف الزعماء اللبنانيون أنفسهم ساعات قليلة يومياً للتبحر والتثقف جغرافياً وديموغرافياً واجتماعياً لمعرفة سبب إقدام بقاعيين على الخطف والخطف المضاد، في لحظة انتحار تفتح في الخاصرة الخلفية للجيش المواجه لأشرس عدو إرهابي دفرسوار الفتنة؟

هل يدرك زعماء لبنان واقع أبناء عرسال، الذين يعملون في مقالع الحجر، ان هذه الناحية من لبنان لم يرمها القدر الجغرافي وحده في لعنة تكاد تكون فانية بل لانها لا تعرف ما يسمى دولة لبنانية؟ هل يعرف زعماء الطوائف اللبنانية حقيقة الواقع العشائري في البقاع الشمالي المتداخل مع الواقع الحزبي ومثله الواقع الشديد العصبية الذي يسود البقاع الأوسط اللذين أشعلا مرات ومرات شرارات الحوربة القتالية بين الشقين الشقيقين؟ هل يعرفون ان البقاع الغربي ينوء تحت وطأة انفجار سكاني للنازحين السوريين بات انتشاره أشبه بإغراق ديموغرافي يتجاوز أعداد اللبنانيين بأكثر من اربعة وخمسة أضعاف في بعض القرى والبلدات؟ هل يدرك القادة السياسيون وكثير كثير من النواب والسياسيين ان التنظير من مكاتب مبردة ومقار مترفة وشاشات متلفزة بات يكشف جهالة فاضحة لحال “الرعايا” في كل مكان من لبنان؟ والاهم والادهى هل يدركون انهم باتوا اقرب الى مطلقي تنكيت وثرثرة فارغة لا قيمة لهما وقت تزحف تطورات الارض في كل لحظة منذرة بلفظهم خارج الحقائق والوقائع على تنوعها وسرعتها المذهلة؟ هل يعرفون مثلا ان الرزق السائب الذي يعلم الناس الحرام قد يكون كفيلا في لحظة تخل واحدة بإشعال الفتنة لا على خلفية مذهبية أو اقليمية أو داخلية بل لمجرد اقتناص فدية في بلد يجتاحه الفقر وشح الدولة كما شح المياه والكهرباء والخدمات وعملقة الازمات؟

لا “داعش” ولا “النصرة” ولا الارهاب التكفيري وحدها تقرع الباب وتتسلل الى الدواخل. قبل هؤلاء ومعهم وبعدهم الزاحف الكبير على الاستقرار هو اشد فصول القصور السياسي الذي لم يعرف لبنان مثيلا له ولا في عشيات اي حرب أو فتنة. اذا كان مشهد الساعات الاخيرة وحده ناطقاً بكل هذا اليتم في القامات، فوحدهم المجانين لا يخافون، وحدهم يُحسدون.