IMLebanon

“وحش” الخارج و”وحش” الداخل

تفترض مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) فاعلية عملية من خلال الاستناد في لبنان الى توافقات وطنية، ليس بشأن الموقف من “داعش” بل بشأن النظرة الى لبنان ومفهوم العيش المشترك.

نعم، لا يمكن الاكتفاء بمواقف معلنة داعمة للجيش اللبناني، ورافضة لتنظيم “داعش” بما يمثل من وحشية وتوحش وتخلف في حين تعيش البلاد حرباً اهلية غير معلنة، لكنها تسكن البيوت والطرق والمناطق من اقصى لبنان الى اقصاه. هذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها. ولا يمكن الاكتفاء بكيل سيل من الادانات بحق “داعش” ونسيان “وحش” آخر يعشّش في قلب لبنان.

“داعش” كائن خارجي اما ذلك الوحش فكائن خارجي متمدد في رحم الوطن. وما دام هذا الكائن في مساره المعروف فلا أمل للبنان في ان يواجه “وحوشاً” خارجية لا امتدادات داخلية لها، ولا امل في بناء حياة لبنانية مشتركة سليمة: ليس “داعش” وحده الوحش هنا. وما لم يقتنع اهل الحل والربط بذلك سنظل نتعامى عن الواقع المر في لبنان، وبعد “داعش” سيولد اكثر من “داعش”.

حان الوقت للكف عن التكاذب في موضوع “داعش” الذي ولد من رحم سجون النظام في سوريا، وتلك التي كان يديرها نوري المالكي في العراق. نعم ان ابوة “داعش” يُسأل عنها بشار الاسد ونوري المالكي ومخابرات ايران و”حزب الله”، ولا يُسأل عنها المظلومون في سوريا والعراق ولبنان. فكفى تكاذباً، وكفى نفاقاً على منابر يتبارى عليها القتلة في التبرؤ من بحور الدماء التي اغرقوا فيها اللبنانيين والسوريين والعراقيين على مدى أعوام طويلة.

تستحيل محاربة “داعش” من دون اسقاط نظام بشار الاسد المتوحش. ويستحيل التغلب على التنظيم في العراق من دون احقاق الحق والتوقف عن ممارسة الظلم في حق شرائح واسعة من العراقيين. ويستحيل ان يحمي لبنان ارضه من الوحش القادم اليه ما لم يعد الوحش الداخلي الى قمقمه نهائياً. هذا هو واقع الحال، والخيار الحقيقي المطروح ليس بين تطرف سني واعتدال سني، بل بين الظلم و العدالة. ولا عدالة في لبنان ما دام لدينا “وحش” منفلت ومتفلت من الضوابط الوطنية.

الخطط الامنية جيدة. ودعم الجيش ممتاز. لكن ازمة لبنان ليست امنية بقدر ما هي سياسية، ومحورها خلاف كبير على الخيارات الكبرى في البلد. وليس ادل على ذلك من الخلاف الكبير على تورط “حزب الله” في سوريا الذي يؤمن معظم اللبنانيين بأنه كان السبب الاول والاساسي لاستحضار الحرب السورية الى لبنان. فقبل ان يتورط “حزب الله” في قتل السوريين على ارضهم كان لبنان في منأى عن النار السورية، وكانت الاحقاد المذهبية اقل حدة على رغم كل ارتكابات الحزب المشار اليه في حق قادة الاستقلاليين. اما الآن فإن الأمور تغيرت وما عادت تعالج كما يروجون بالالتحاق بركب “وحش” الداخل في مواجهة “وحش” الخارج.

لا بدّ من قول الحقيقة مهما بدت صعبة.