اختار ميشال سليمان نهاية ساخنة لمسلسل الحوار الوطني البارد الذي ترأسه على امتداد ١٨ جلسة، لم تتمكن من وضع ولو أساس لأبجدية سياسية يتفاهم عليها الافرقاء اللبنانيون، ولا استطاعت نقل لبنان من وضعه كحلبة للملاكمة الاقليمية الى موقعه كوطن مستقل!
كانت جلسة وداعية كما وصفها الذين حضروها والذين غابوا عنها، لكنها أخذت شكل جولة أخيرة من المبارزة بين “الذهب والخشب”، التي تدور منذ عام ونيف بين دولة الجمهورية اللبنانية ودويلة “حزب الله”، فقد افتتح سليمان الجلسة باثارة تصريحات يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد علي خامنئي، الذي قال ان حدود ايران الحقيقية تنتهي عند شواطىء البحر المتوسط عبر جنوب لبنان، واعتبر انها تتنافى مع منطق السيادة اللبنانية وانه سيستوضح الأمر من السفير الايراني.
واذا كانت اثارة هذا الموضوع تمثل مأخذاً قوياً على ايران بما يزعج “حزب الله” الذي يمثّل حدود ايران السياسية في الجنوب اللبناني، فقد تعمّد سليمان الوصول الى جلسة الحوار مدججاً بالغمز من قناة الحزب الذي لا يكتفي بمقاطعة جلسات الحوار فحسب، بل يشن عليه حملة شرسة منذ ما قبل “موقعة الذهب والخشب”!
ذلك ان تحذيره عشية جلسة الحوار، من “استدراج البلاد الى مؤتمر تأسيسي يؤدي الى الإخلال بالميثاقية والمناصفة بدلاً من تطبيق اتفاق الطائف” بدا وكأنه وصية يفجّرها رداً على السيد حسن نصرالله، الذي سبق له ان أشار الى موضوع قيام هيئة تأسيسية، وهو ما اعتبر دعوة الى تعديل الدستور باعتماد المثالثة بدلاً من المناصفة التي اقرها “اتفاق الطائف”، وهكذا جاءت مطالعة نبيه بري التي اكّد فيها باسم كل المسلمين ان ليس هناك من بحث او سعي لمؤتمر تأسيسي، وكأنها رد ولو متأخراً على كلام نصرالله السابق.
ليس خافياً ان إشادة فؤاد السنيورة المسهبة بسليمان، وقوله ان التاريخ سيسجل له دفاعه عن استقلال لبنان وإنجازه “اعلان بعبدا” الداعي الى تحييده عن الصراعات الاقليمية والدولية، ومن بعدها اشادة وليد جنبلاط به “لإنجازاته وكم تحمّل من مضايقات الافرقاء اللبنانيين” وتشبيهه بفؤاد شهاب، أكملتا حلقة الرد غير المباشر على “حزب الله” وحلفائه في ٨ آذار، الذين يقاطعون الحوار ويشنون حملة اعلامية شرسة عليه وصلت الى حد القول ان في وسعه نقع “اعلان بعبدا” وشرب مياهه.
في اي حال لقد ترأس سليمان ١٨ جلسة للحوار وترأس بري قبله سبع جلسات، وهذا يعني ان مسلسل حوار الطرشان سجّل ٢٥ حلقة حتى الآن من دون اي نتيجة تذكر… والدليل ان “فخامة الفراغ” ينتظر ٢٥ أيار على تخوم بعبدا ليدخل الى القصر مرة جديدة!