IMLebanon

وسامُ شرفٍ عُلّقَ على أرز لبنان

ما زلتُ أذكر عندما كنتُ صغيرة، شعورَ الفرح والعجب والدهشة عندما كنتُ أرى، مِن وراء زجاج السيارة، جنديّاً يقف على حافّة الطريق. كنتُ أنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر لألقيَ عليه التحيّة وأبتسم له فرحاً برؤيته.

كنتُ أراه قويّاً وضخماً، مُنتصبَ القامة وشامخَ الرأس لا ينحني. كان مثالَ قوّةٍ وعنفوان لهذه الطفلة البريئة التي لم تكُن تفهم وقتها الحياة، ولم تكُن تدرك المهمّة العظيمة والصعبة لهذا الجنديّ. ولكنّني كبرتُ اليوم وفهمتُ أنّ هذا الجنديَّ ركنُ وطني وعمادُه، حامي أرز بلادي وتراب أرضي.

هو المُدافع عن حياتي واستقراري وهناءِ عيشي. كبرتُ لأدرك أنّ هذا الجندي اختار التضحية بحياته من أجل حياتي، انتقى اشتياقه لأهله لكي لا أشتاق أنا إلى عائلتي، قرّر حملَ السلاح لكي لا أضطرّ أنا لذلك. لن أعرفَ أبداً كيف أُكافيه، لكنّني سأختار قلمي، سلاحي الأقوى، لكي أعبّر له عن امتناني وعرفاني بجميله.

المشهد اليوم يشبه المشهدَ الذي أتذكّرُه في طفولتي، لقد عاد الجميع أطفالاً يشاهدون الجيش اللبناني مدافعاً عن وطنِهم وشاهراً بنادقَه حمايةً لأمنهم، فيؤدّون له التحيّة مبتسمين عزّاً وإجلالاً. تحيّتُهم هذه هي عبارات الدعم التي نقرأها في كلّ مواقع التواصل الاجتماعي، هي المسيرات السلميّة التي تُنظّمها كلّ بلدة لبنانيّة، رافعةً الصوتَ دعماً للجيش، هي ضوء الشموع التي تضيئها الأمّهات كلّ ليلة موصلةً من خلالها صلواتها إلى الأعالي.

جميعنا في دهشةٍ اليوم أمام شجاعة عناصر الجيش في مجابهتهم للإرهاب، وحُزننا على الشهداء تحوَّل قوّةً وعزماً وعنفواناً.

فشهادةُ الجنود الذين خسروا حياتَهم في معركة عرسال اليوم تصدّياً للإرهاب، هي وسام فخرٍ علّقَها الجيش على بذّته الخضراء وهي وسمةُ شرفٍ دُمِغت في قلوب اللبنانيّين.

استشهادهم اليوم ثقافةٌ تُغني الحسَّ الوطنيّ لكلّ مَن يدافع عن أرضه، إنّها ثقافة العنفوان الضارب في أعالي جرود عرسال، وثقافة التضحية في سبيل وطنٍ أمٍّ احتضَنَنا في أصعب الأوقات. جيشُنا ثقافةٌ تُضاف إلى ثقافة الفنّ والموسيقى والأدب، لتتربّع على عرش المعرفة، لأنّه لولا جنوده الشجعان لمَا استطعنا التغنّي بهذه المعرفة، ولما كُنّا ارتدنا المدارس لنكتسب الثقافة والعِلم.

حامي بلادي هو ثقافة كَتَبَ عنها أعظم الكتّاب وغنَّتها أجمل الأصوات، فعَلا صوت أحمد دوغان: «يا صبايا علّوا الزغاريد، بلدي اليوم بأحلى عيد، بوحدة جيشك يا لبنان رجعنا توحّدنا من جديد». وافتخرَ صوت عاصي الحلاني عندما غنّى «الشرف عنوانك» واعتزّ صوت إيلي شويري في «اعتزّ الأرز».

واليوم أقول للجيش إنّ جميع اللبنانيّين إلى جانبِكم، واضعين أيديَهم في يدكم لإنقاذ وطننا من هذه المحنة التي لن تستمرّ طالما إنّكم تطأون بأقدامكم أرضَ المعارك. قُدرتكم على التصدّي للإرهاب لا حدود لها، فنحن نؤمن بقوّتكم وعزمِكم، ونعي أنّنا بدعمكم سننتصر بكفّ يَد العدوان وكسرها، قبل أن تُطاول أمنَ بلدنا. لا تخافوا من الآتي، فنحن واثقون من أنّ قبضة يدكم ستحكم الخناق على كُلّ معتدٍ على أرضنا، فأنتم رمز الشرف والتضحية والوفاء، ولن يقوى أحد على تغيير شعاركم.

كلّ عنصر منكم أرزةٌ زُرعت على جبال لبنان، وقلعة شيّدَها الأجداد تخليداً للحضارة والثقافة. إسم كلّ شهيد سيرفرف عالياً إلى جانب علم بلادي، حامياً وجودَ كياني.

وأوجّه اليوم شكري إلى كلّ شهيد سقط دفاعاً عنّي، وكلّ نقطة دماء أريقت حفاظاً على هويتي وانتمائي. أمّا كلُّ أمّ فقدَت ابناً شهيداً في الجيش، فأضمّ صوتي إلى صوت فيروز لأقول لها: «لا تخافي سالم غفيان مِش بردان، نايم ع تلّة وبتضلّ تصلّي وناطر زهر اللوز بنيسان، بقلبو الإيمان ومغَطّى بعلم لبنان».