وقائع دقيقة من محادثات غامضة بين بعبدا وبكركي والديمان
مبادرة بابوية بين عميد السلك ورموز السلطة الاجرائية
وخيارات بقيت مفتوحة قبل ارساء سياسة جديدة !!
كل يوم تبرز ازمة، وكل اسبوع تتجدد محنة، والتيارات السياسية، قديمها وجديدها تقف امام كارثة. وفي الاسبوع الأخير، تعطلت الرؤية السياسية مجدداً، وسط ضباط كثيف يشوب المواقف.
الا ان الازمة الجديدة، اجتاحتها خلافات حادة، حول عاصفة النفايات أو عاصفة الزبالة بعدما هيمنت مشكلة الاوساخ على وقائع الحوار المتجمد بين ٨ و١٤ آذار، كان آخرها صدور دعوة عن السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله الى ١٤ آذار، داعياً اياها الى حوار لا بد منه مع التيار الوطني الحر، مؤكداً انه لن يكون وسيطاً بين الفريقين، لأنه أساساً منحاز وغير حيادي.
وبين استقالة الرئيس تمام سلام من الحكومة، ورجوعه عن مثل هذا الخيار، ظهرت ملامح حل بدأ ينضج في المحافل السياسية، قد يمهد لعودة السلطة الى العمل، ويحد من أزمة التعطيل.
كيف كانت تعالج الأمور، قبل نصف قرن، وتحديدا بعد اتفاق الطائف واستشهاد الرئيس رينه معوض، وانتخاب الرئيس الياس الهراوي، وبين انتخاب الأول في عكار، والاتفاق على الثاني في البقاع.
يروي الكاردينال نصرالله صفير، انه استقبل الاستاذ فارس بويز، موفداً من قبل الرئيس الياس الهراوي، ليطلعه على جولة يعتزم القيام بها، على بلدان اللجنة العربية الثلاثية: السعودية والجزائر والمغرب. ويقول انه اطلعه على جولته، بوصفه موفداً من قبل رئيس الجمهورية على فرنسا والفاتيكان.
ويذكر بويز انه قابل وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما، وأكد انه مع الشرعية المنبثقة من مؤتمر الطائف وعندما طلب منه مساعدة معنوية، لتكون عنده قوة طوارئ دولية، أجابه بأن الأمر مستحيل.
ويورد البطريرك صفير انه قابل المونسنيور غاتي والمونسنيور طوران، وفهم منهما ان الفاتيكان مع شرعية الرئيس الهراوي، وهو يريد ان يتمكن البطريرك من القيام بدوره بحرية وفاعلية.
ويقول الكاردينال صفير ان المملكة السعودية وعدت لبنان بمساعدة انمائية، كما ان الجزائر وعدت بمساعدة الجيش اللبناني بارسال آليات اليه.
ويقول الكاردينال صفير ان الرئيس الهراوي كان عاتباً عليه، لأنه لم يطالب علنا بمجيء الشرعية الى المنطقة الشرقية، وأجاب بأنه صرح غير مرة بأن الشرعية ليست بحاجة الى أحد، لكي تأتي، ولا تريد ان ندعوها، لتكون سببا في سفك الدماء.
وقال بويز للكاردينال صفير ان الرئيس الهراوي يتمنى ان يقال ان الحل هو الشرعية لقضايا الشرعية والوطن، فرد صفير بأنه يتمنى لو ان السوريين يشجعون على ذلك بتحديد موعد خروجهم من لبنان. الا ان السوريين ابدوا تجاه الهراوي كل استعداد طيب، بحيث ان الرئيس الاسد كان يتوجه اليه دائماً وقد أهمل الرئيس الحص حتى ان هذا الأخير قال للهراوي بعد عودتهما من دمشق: لا ارى من حاجة الى مرافقتك في زياراتك. ويقول بويز ان المسلمين استقبلوا المهجرين من الشرقية بالترحاب، وهم يتخوفون من رؤية المسيحيين يهاجرون، لأن لبنان من دون المسيحيين يتعرض كيانه للزوال، وهذا ما شعر به عندما سمع وليد جنبلاط يتحدث عن معارك الشرقية وآثارها المدمرة.
وأخيرا كلفناه الطلب من الرئيس الهراوي مراجعة السوريين لاستعادة تمثال برونزي أخذوه من معبد في عيتا الفخار خاص الدكتور فارس دحروج وهو لا يزال في صندوقه، وكان ينتظر فرصة سانحة ليأتي به الى بكركي ليقدمه للبطريركية.
وقد كتبنا الى المطران ابو نادر لمراجعة الرئيس الهراوي ودولة الرئيس حسين الحسيني بهذا الأمر.
ويتابع الكارينال صفير، ذاكرا محضر لقاء بين العماد عون والمطران ابو جوده في ١٥ آذار يشرح فيه كيف ان ثمة من يعتبر مسؤولية القوات في البدء ب الحرب بين الفريقين، وقال ان العماد اعطى برهانا على صدق قوله، انه لم يكن هناك استعدادات حربية في ثكنات كسروان وجبيل، وقد تحرك فقط في ضبيه وعين الرمانة. واتهم القوات اللبنانية بتنظيم تظاهرة بكركي وانه لا يريد ان يحارب، لكن القوات على ما قال، هي التي تفخّخ البنايات، وتعطل الحريات، وتحجز الناس مما تسبب بهجرة كثيفة. وقال لدى الجيش موقوفون وعائلاتهم ليست مشردة.
ويورد الكاردينال صفير، عن المطران بطرس الجميل راعي ابرشية قبرص ان هناك هجرة كثيفة انطلاقاً منها الى استراليا او كندا او الولايات المتحدة، وقد نظم سيادته في لارنكا وليماسول ونيقوسيا لجنة للعناية بالوافدين، واستأجر بيتين لذلك في لارنكا وليماسول.
اللقاء مع الابراهيمي
كان اللقاء بين الكاردينال صفير والاخضر الابراهيمي صعبا، وتم بحضور اللقاء مع المطران ابي جودة في المنطقة الغربية.
ويورد صفير وقائع اللقاء على النحو الآتي: لقد قابل ابو جودة الاخضر الابراهيمي في فندق السامرلند في المنطقة الغربية بناء على طلب الاول. وكانت وسائل الاعلام قد اعلنت ان الابراهيمي قد اتصل بنا هاتفيا، وكان على وجه التأكيد في نيته ان يتصل لكن الخطوط الهاتفية مقطوعة.
وقضى سيادته مع الابراهيمي على ما قال ساعة ونصف الساعة، وسأله الابراهيمي رأيه في الحالة في لبنان، فوصف له ما يعانيه اللبنانيون وخاصة المسيحيون من بينهم في هذه الايام. ورداً على سؤال قال المطران: لبنان مسؤولية جامعة الدول العربية، ويخشى ان يضيّعه العرب، كما اضاعوا فلسطين وخير السبل لانقاذه:
١- عقد قمة عربية تبحث فيها القضية اللبنانية فقط.
٢- اقناع سوريا بايجاد الحل اللازم للخروج من لبنان بطريقة مشرفة، لكيلا يقال انها اكرهت على الخروج، واذا بقيت تقاسمت لبنان مع اسرائيل وزال لبنان الذي نريد.
٣- تمكين الرئيس الهراوي من دخول الشرقية بتعزيز الجيش عنده.
٤- وضع خطة اعمار تشابه خطة مارشال لأوروبا بعد الحرب الأخيرة، لاعادة بناء لبنان.
٥- ايجاد مخرج مشرّف للعماد عون، احتراما لمشاعر الناس الذين التفوا حوله، وقد محضوه ثقتهم اعتقادا منهم بأنه يقودهم الى التحرير والسيادة الوطنية.
ويبدو ان الابراهيمي لم يحمل معه اية افكار جديدة لحل الازمة اللبنانية. وقد سأل المطران ابي نادر عما اذا كان بامكانه ان يزور بكركي، فقال له سيادته انه يصطحبه بسيارته اليها بطيبة خاطر، وربما أتيا دون تنبيه لانتفاء وجود هاتف يعمل بين بيروت وبكركي.
لقاء صفير والا
عقد في ١٧ آذار ١٩٩٠ لقاء بين البطريرك صفير والسفير الفرنسي رينه ألا الذي وصل الى بكركي من دون موعد، لانقطاع الخطوط الهاتفية، وقضى مع البطريرك ساعتين يروي الكاردينال وقائعها على النحو الآتي:
١- انه يزور كلا من عون والهراوي، وكان عون قد ألمح الي انه يقبل بالتخلي ثم بعدئذٍ غيّر رأيه. والسفير يرى لو كان بالامكان ارضاء الافكار التي يكنها الشعب الذي يؤيد عون ويعبر عون عنها مثلاً: بانتزاع تصريح من سوريا بأنها على استعداد لمغادرة لبنان يوم تخرج منه اسرائيل، وذلك بناء على سعي عربي، ربما هذا يساعد عون على الخروج من ازمته، اي اعطاؤه موقفا سياسيا والاخذ منه تخليه عن الحكم.
٢- اصرار جعجع على ادخال الشرعية يفسرها عون بأنه يريد من وراء الشرعية المحافظة على موقفه، فيحل بالهراوي ما حل بالرئيس سركيس يوم كان بشير الجميل يرئس القوات، فيكون الحكم صوريا لرئيس الجمهورية وفعلاً للقوات.
٣- ان الحكومة الفرنسية مع الطائف، وهو الوسيلة الوحيدة المتوفرة لوضع حد للمعارك في الشرقية.
٤- ان فرنسا تحاول من خلال ديبلوماسيتها معاونة لبنان، ولهذه الغاية زار سفيرها في دمشق نائب الرئيس السوري ليقول له ان فرنسا، هي مع الطائف واستقلال لبنان وسيادته.
٥- سوريا تقدم سلاحا لعون، لكنها لا ترضى بالتفاوض معه، واعطاءه كسبا سياسيا. وعون يريد ان يحتفظ لنفسه بحق التفاوض.
٦- لم يقترح السفير على عون الذهاب الى فرنسا، بل افهمه في حال هو يريد ان يذهب هو ومرافقوه، فيكون ضيفا مكرما ويمكنه لاحقا القيام بنشاط سياسي في لبنان.
اجتماع ماروني في بكركي
ويذكر الكاردينال صفير في كتابه حارس الذاكرة كما اوردها الكاتب جورج عرب ان الاجتماع انعقد في بكركي ودام ساعتين وثلاثة ارباع الساعة، وحضره الوزراء السابقون: لوسيان دحداح وفكتور خوري وقيصر نصر، وحضره سمير جعجع وممثلان عن الكتائب: روجيه ديب وألفرد ماضي، ولجنة الوساطة: المطران ابي نادر والأباتي نعمان وشاكر ابو سليمان وكذلك الاباتي هاشم والنائبان البطريركيان: ابو جودة والراعي.
وتبودلت وجهات النظر على ضوء الكلمة التي افتتحنا بها الاجتماع، وأعلنت لجنة الوساطة انها اعدت مشروع حل تنجزه ويوافق عليه الطرفان خلال ٤٨ ساعة وستعود بعدها الينا لندعو الى اجتماع مسيحي موسع. لم يلبّ الدعوة حزب الوطنيين الاحرار والكتلة الوطنية والعماد عون والرئيس فرنجيه.
حضر النائبان حبيب كيروز وبطرس حرب من فرنسا، بغية جلاء المواقف الملتبسة في لبنان، ولعدم وضوح الآراء على هذا الصعيد.
ويقول الكاردينال صفير ان حضرة النائبين المشار اليهما أتيا من باريس وذهبا من بيروت بالطائرة الى القليعات في عكار، ليصلا الى بكركي، واستفسرا عن الاجتماع المقبل الذي سندعو اليه، وقد جاءا ليحضراه، وتداولنا بالموضوع بعد ان شرحنا لهما ما كان من اثر اجتماع يوم الخميس الفائت في ٢٩/٣/١٩٩٠ وما القصد منه وما موقف الاطراف منه ايضا.
ويتابع البطريرك صفير روايته:
أما الاجتماع المقبل فيتعلق بالجواب الذي تأتي به لجنة الوساطة من العماد عون، وقد قلنا ان لديها مشروع حلّ سيوافق عليه العماد.
وطرح موقف الفاتيكان ودعمه عون، وتبيّن ان الفاتيكان ترك لدى فرنسا والولايات المتحدة انطباعا انه يدعمه، ولذلك بدأ بعض المسلمين والمسيحيين يحمّلون الفاتيكان دماء المسيحيين وتهجيرهم.
وهذا ما حملنا على استدعاء القائم بأعمال السفارة البابوية لنتبادل معه ومع المونسنيور سوزو الرأي في وجوب توضيح موقف الفاتيكان، وكلّفنا المونسنيور دانياللو، القائم بالأعمال، استيضاح ما اذا كان بالامكان السفر الى روما لمدة أربعة أيام لمقابلة قداسة البابا والمسؤولين فيه، لجلاء الأمر، لأن العماد عون وأتباعه يبثون شائعات مفادها ان الفاتيكان يسانده، وان عون كفاليسا بالنسبة اليه، وفاليسا هو الزعيم البولوني المعروف، فوعدنا بالاتصال ولموافاتنا بالجواب. وأخبرنا دانياللو ان العماد عون طلب منه ان يذهب لمقابلته سرّاً في بعبدا.
وأخبرنا سوزو ان الراهبات الكرمليات المحصّنات في حريصا ينتقدن البابا والبطريرك الماروني لكونهما لا يساندان العماد عون كفاية. وأسف ان تكون الراهبات والرهبان قد انقسموا الى هذا الحد في السياسة.
وفي ١٦ شباط ١٩٩٠ جرى لقاء بين البطريرك صفير والسفير البابوي وبعض القيادات الروحية، من أجل ايجاد تسوية بين الرئيس الياس الهراوي والعماد ميشال عون، وما جرى تداوله في الصحف عن إمكان تعيين العماد عون نائباً لرئيس مجلس الوزراء، مما يطرح تغييرا في الطائف، واساءة الى الأرثوذكس وعقب السفير كارلو بوانتي بأن الطائف للبنان، وليس لبنان للطائف.
إلاّ أن السوريين أبلغوا الجميع، بأنهم يطالبون العماد عون ان يعترف أولاً باتفاق الطائف كما قال السيد عبدالحليم خدام، وزار البطريرك صفير العماد عون، ونقل اليه ما قاله خدام فردّ: سأرى وأجيب، وربما قال صفير ان عون كان ينتظر نتيجة المبادرة الفاتيكانية.
وتكاثرت المساعي وساءت العلاقة بين الرئيسين الهراوي والحص، وتبين ان رئيس الجمهورية الياس الهراوي شكا رئيس مجلس الوزراء الى الرئيس حافظ الأسد.
زار النائب أوغست باخوس الكاردينال صفير وسأله عن المبادرة البابوية، فأجابه بأنها تقوم شكلاً على استرداد مشاريع القوانين من مجلس النواب الى الحكومة لتعيد درسها، بعد ان تكون قد أصبحت حكومة وفاق وطني، فأجاب: هناك مبدأ لا خروج منه، وهو المناصفة في الحكم بين مسلمين ومسيحيين، وما عدا ذلك باستطاعتنا إعداد صيغة لاقرار حلّ.
في ٢ تموز ١٩٩٠ يقول البطريرك صفير انه كان يخشى ان يظل السوريون يستمهلون انتقال الرئيس الهراوي الى بعبدا، حتى يتملك السيد ايلي حبيقة والقوميون الأرض في منطقة العماد عون، فاذا ما انتقل الهراوي من الغربية الى الشرقية، فيظل تحت سيطرة السوريين. وهنا يقول صفير: حاولنا إقناع عون بالتخلي عن بعبدا، والانصراف الى العمل السياسي.
وهنا اقترح شاكر أبو سليمان مصالحة عون وجعجع، لأنهما اذا ما تصالحا يصبحان أقوى في مفاوضة الرئيس الهراوي.
ويروي الكاردينال صفير ان الرئيس الياس الهراوي أوفد اليه الى الديمان المحافظ سيمون كرم ومعه نجله جورج الياس الهراوي والسيد خليل الهراوي لسبر أغوار دعوته لزيارة زحلة، وجمعه بالسيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري، فوعد بدرس الدعوة وإجابته عليها.
وبعد ذلك طلب المحافظ كرم، وهو إبن شقيقة المرحوم جان عزيز، ان يختلي بنا، ففعلنا، واذ ذاك صارحناه بالقول: جرت العادة ان يزور رئيس الجمهورية الماروني فور انتخابه بكركي، هذا ما فعله شهاب وحلو وفرنجيه وسركيس والجميّلان، وقد نشرت الصحف ان الرئيس الهراوي سيزور الديمان، واذا به يرسلكم مع ابنه فأهلاً، ولكن زيارته لها معنى خاص في هذه الأيام، ونحن زرناه قبل ان يزورنا، لأن الحالة استثنائية، ولا يمكنه الوصول الى بكركي، وانتقدنا بعضهم لأننا زرناه مع السفير البابوي بوانتي، وفعلنا ذلك لادراكنا ان الأحوال تقضي ذلك. ثم تقولون اننا اذا زرنا زحلة، يأتي نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام للقائنا، أفلا يمكنه ان يأتي الى الديمان، والديمان كزحلة تحت السلطة السورية الآن؟ وهل المراد ان يستسلم كل اللبنانيين للمشيئة السورية؟
وهل يشعرون بعد انهم مستقلون ما دام رئيسهم لا يمكنه ان يعيّن موظفا دون استشارة سوريا؟ فلتبق للبطريركية، على الأقل، هالتها. فيشعر السوريون وسواهم ان هناك ارادة لبنانية مصممة على الاستقلال والسيادة، ما دام الجميع بمن فيهم العماد عون والنواب يتسابقون الى خطب ودّ سوريا. وهل مصلحة سوريا ان يفقد لبنان استقلاله وسيادته؟ اذ ذاك قال كرم: سأذهب اليوم الى الرئيس الهراوي وسأقول له ليس عن لسانكم، بل من عندياتي: ان للبطريرك عندكم زيارة فمن المستحسن ردّها اليه في الديمان، ومن المستحسن أيضا ان يزوره زائر رفيع المستوى من دمشق، ثم تنظم زيارة زحلة ويتم لقاء بينه وبين الخدام في زحلة، ويقول البطريرك له ما لا يمكن سواه ان يقوله لأنهم كلهم لهم مصلحة، أما هو فلا مصلحة له سوى مصلحة الوطن. وقال ان تنظيم هذه الزيارة يقتضي لاعدادها بعض الوقت. وافترقنا على أن يأتينا سعادة المحافظ بالجواب قريباً.
اللقاء الدقيق
في ١٢ تموز ١٩٩٠، عقد لقاء بين الكاردينال صفير والنائب نصري المعلوف أوردها البطريرك الماروني على النحو الآتي:
هذه المرة يعود الأستاذ نصري من باريس الى لبنان، بعد انتخاب الهراوي، وبعد زيارته للرؤساء الحسيني، الحص، طبعا في المقدمة الرئيس الهراوي.
وجاء الى الديمان نائب بيروت ليزورنا، لأنه يتعذر عليه زيارة بكركي لموقفه السياسي. وروى لنا جدلاً قام بينه وبين ميشال اده حول اتفاق الطائف، وقال اده انه أسوأ من الاتفاق الثلاثي.
ويقول المعلوف: عندما يصبح المسيحيون ٣٠% ويحتفظون ب ٥٠% من مناصب الدولة فلا يمكن ان يدّعوا الاجحاف بحقهم. واذا تخلّى رئيس الجمهورية عن بعض صلاحيات لم يستطع ممارستها، فلا يعد ذلك خسارة. وعندما كان رئيس الوزارة يعتكف طوال تسعة أشهر كما فعل رشيد كرامي، دون ان يتمكن رئيس الجمهورية من اقالته، وتفشل الدولة، فلم تفد صلاحيات رئيس الجمهورية شيئا. وقد أوجد الطائف دواء لذلك، عندما نصّ ان ثلث أعضاء الوزراء بامكانهم اسقاط الحكومة، واذا كان رئيس الجمهورية لا يقوى على اقناع ثلث الحكومة بوجهة نظره، فهذا يعني ان لا شخصية له ولا رأي وهو غير أهل للمنصب.
وتعجب المعلوف من موقف الفاتيكان من الطائف وهو موقف رافض، حمل المسيحيين على الهجرة، فقلنا له: لعلّ هذا الموقف يعود الى الهستيريا الشعبية التي ظهرت حول العماد عون بفعل المكتب الثاني ولجنة التنسيق، وخشي الفاتيكان ان يقف في وجهها تلافياً لحدوث انشقاق.
وكان السفير البابوي قبيل انتخاب الرئيس معوض قد أعلن على باب بعبدا بقوله: الشرعية للانسان، وليس الانسان للشرعية، وبين شرّين يختار الأهون مشيراً بذلك الى شرّ القبول بالطائف وشرّ رفضه.
وعندما قلنا لمعلوف انه أتانا من يقول لنا بنهي النواب عن انتخاب رئيس للجمهورية ليبقى عون في مركز الرئاسة، تذكر ما جاء يقوله له خطار حدثي من قبل العماد عون وهو انه يريد ان يقابله لأمر ضروري، وذلك قبيل انتخاب الرئيس الهراوي. وعندما تمّ الانتخاب وهمّ معلوف بالذهاب لمقابلة عون، أنفذ اليه هذا الأخير من يقول له: ان لا لزوم للمقابلة. واستنتج ان المقابلة المطلوبة كانت لثني المعلوف ومن معه من النواب عن الانتخاب. ويضيف معلوف قائلاً: هل خرّب عون البلاد ليرضى أخيراً بمقعد وزاري ليس إلاّ؟