IMLebanon

… وكيف لا يترحّمون؟

لم يعد مفاجئاً ولا حتى “محرماً” ان تسمع من يترحم على المارونية السياسية وزمنها وعهودها على رغم ان بعض المترحمين كان ممن ساهموا في أوسع عملية محاكمة فكرية لجلد هذه المارونية وتحميلها ما يصح وما لا يصح في آن معا.

أقله، يعترف هؤلاء بمرارة متأخرة، ان المارونية السياسية التي ظلمت ايما ظلم في التسمية الخبيثة اولا لانها لم تكن مرة أحادية، كانت مؤسسة من داخل الهيكل ومن ضمن اللعبة السياسية المنتظمة ولا نظن ان ديموقراطية هذه الايام بلغت في أفضل ظروفها الحد الأدنى للسقوف التي حافظت عليها الحقبة الاستقلالية الاولى تحت حمى تلك المارونية السياسية. وعلى شراسة المواجهات التي طبعت في فترات متعاقبة معارك رجالاتها وزعاماتها كانت القامات السياسية تلعب تحت السقف وفوق الزنار بدليل ان بضعة عقود من عمرها ولو اخترقت باهتزازات وأزمات ذلك الزمن لم تطبعها النزاعات المجانية لتهديم الهيكل الدستوري للدولة ولا تلك “الثقافة” الطارئة التي تتحكم بلبنان اليوم وتجعل الهيكل الدستوري للانهيار المستدام.

نقول ذلك مع أولئك الذين يحنّون الى ماض آفل ونحن امام تفشي لعنة الفراغ التي بدأت تنذر باتساع. هل تراءى لأي كان ان فراغا رئاسيا في زمن تبدلت فيه الظروف الخارجية رأسا على عقب سيمر مروراً بارداً ولن يقيم أزمة متدحرجة تنزل هبوطا من قصر بعبدا الى ساحة النجمة فالسرايا؟ هل ظن احدهم واهما ان الغرغرة بالميثاقية عند كل شاردة وواردة والتلطي وراءها كان ليمر فعلا من دون ان تتمدد تداعيات الفراغ الى سائر المؤسسات؟ هل ترك ساسة هذه الايام اي ستر مغطى لحد أدنى من ممارسات ديموقراطية سوية وثقافة الالتزام القاطع بالدستور والأصول فيما نرى ما لا نريد تصديقه على أيدي معظمهم؟

ولعل ما يجب كشفه من دون مواربة قبل تفشي الأخطار الى حدود غير قابلة للاحتواء هو ان اي منطق دستوري منطقي لا يجيز فعلا تعطيل مجلس النواب والحكومة أسوة بشغور رئاسة الجمهورية، وان هذا المنطق الغريب يبدو اقرب الى قبلية منه الى سلوك دستوري مسؤول. ولكن الضارة النافعة هنا تتمثل في حقيقة تتكشف يوما بعد يوم وهي ان رئاسة الجمهورية اولا وأخيرا وأيا يكن القائم على كرسيها هي مصدر الاستقرار الفعلي بدليل ان البلاد تقف بعد أسبوعين فقط من الفراغ الرئاسي امام خطر تهاوي كل ملامح الأمان. لا بل ثمة ما ينذر باشتباكات دستورية وسياسية واجتماعية واقتصادية من شأنها لا ان تعطل كل شيء فقط بل ان تطيح كل استقرار. لا نظن مع أهل الحنين الى ماض غابر ان ثمة سوابق مشابهة للعب بالهيكل بهذه الخفة المرعبة.