IMLebanon

و.. طَرْدُ إيران من السودان

لم نفترِ على إيران عندما وصفناها بالأمس بـ «الكارثة» المتنقلّة في المنطقة، لم يتوقّف كثيرون عند الصفعة «المحرزة» التي تلقّتها إيران ـ برغم أنفها بصمت ـ قبل أيام قليلة مع إعلان وزارة الخارجيّة السودانيّة «إغلاق جميع المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد وطرد الملحق الثقافي وديبلوماسيين آخرين، والطلب إليهم مغادرة البلاد خلال 72 ساعة»، وفي سياق الحديث إيران افتتحت أول مركز ـ أو كما يسمّونها مستشاريّة ـ ثقافي في السودان في العام 1988 أي منذ ما يزيد على ربع قرن، ولكم أن تتخيّلوا حجم التمّدد الإيراني في السودان الذي له تاريخ طويل وعريض مع التصوف ومع الطرق الصوفيّة وسبيل التشيّع الإيراني إلى هؤلاء محبّتهم لأهل البيت النبوي الشريف.

طُرِدت إيران «المتكبّرة» من السودان، وبالرّغم من هذه الإهانة جاء الردّ الإيراني «ناعماً خانعاً على لسان حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية الذي اتّهم «أطرافاً في السودان تسعى لتخريب العلاقات الثنائية بين البلدين»، من قال إن القوس الشيعي انكسر في منطقتنا فقط، بل هو ينهزم الآن ويتكسّر على حدود مصر وعلى حدود المملكة العربيّة السعوديّة، ولكم أن تتخيّلوا حجم الأموال الطائلة التي صرفتها إيران في السودان لوضع اليد عليه بخطّة ممنهجة ودؤوبة، فقد مر الشمال السوداني بعملية اختراق ثقافي شيعي منظم، حيث يتم الترويج للغة الفارسية والمذهب الشيعي عن طريق المستشارية الثقافية الإيرانية في الخرطوم، وتوطد علاقتها بالصحف ووسائل الإعلام السودانية، وهذا أمر نفّذته المستشارية الإيرانية في لبنان في ثمانينات القرن الماضي!!

وأكثر من ذلك، فقد عمد المتشيعون في السودان إلى توسيع الانتشار الأفقي وعدم التمركز في منطقة بعينها، فلهم وجود في العاصمة الخرطوم والنيل الأبيض وكردفان، وهذا التمدّد يشبه للمناسبة «الزّنار الشيعي» الذي تمدّد ليطوّق بيروت وهو مخطّط ومنهجي منذ ستينات القرن الماضي، ومن دون أن يتنبّه له أحدٌ في لبنان بل روّج للدفاع عنه باستماتة تحت عنوان: «حزام البؤس»، وهو في الحقيقة «حزام التطويق الشيعي»، وهذه الصورة ليست من أفكارنا بل هي خطّة إيرانيّة ممنهجة جرى تعميمها على العالم العربي منذ مجيء الخميني إلى السلطة في إيران ولكن سبق التمهيد له في لبنان لصلات الوصل مع العمائم الإيرانيّة الموجودة في العراق!!

ونحن هنا لن نفتح ملفّ نشر التشيّع الإيراني في السودان فهو ملفّ شائك وطويل، وقد لا يهمّ القارئ اللبناني عموماً بشيء، ولكن هذه الخسارة الإيرانية المدويّة في السودان لا بُدّ من أن تتردّد أصداؤها في بيروت، خصوصاً وأننا في خضم معركة مزدوجة الوجه بين «داعش وحزب الله»، كلاهما وجهان لعملة واحدة متهمة دولياً وعربياً وموصوفة بـ»الإرهاب».

كثيرون اليوم غاب عن ذهنهم ما حدث العام 2006 في الخرطوم عندما أرادت إيران استثمار صورة «حسن نصرالله» البرّاقة آنذاك بوهم «النصر الإلهي»، يومها قامت الدّنيا ولم تقعد بعدما أشعل الجناح الشيعي بمعرض الخرطوم للكتاب جدلاً مستعراً حول نشر المذهب الشيعي في البلاد بإقامة ستة معارض إيرانية وأخرى لبنانية تابعة لحزب الله تضم كتباً تسيء لصحابة رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، يومها صدر أمرٌ بإغلاق الجناح الشيعي من قبل الحكومة السودانية، تأخّر القرار لكنّه أتى وبصرف النظر عن دوافعه، حتّى إيران لجأت إلى الوجه النّاعم والهادئ علّها تعود إلى السودان، ولكن.. قُضي الأمر، ولّى زمن التقيّة والخداع ، وجاء زمن الهزائم الإيرانيّة المدويّة.