يتزامن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس لبناني جديد مع ارتفاع منسوب الكيمياء السياسية المفقودة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وهذا ما انعكس سلباً، كما يقول مصدر سياسي بارز، على جولة المشاورات الخامسة التي عُقدت بين عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، والتي أعادتها إلى نقطة الصفر، على خلفية إحجام عون عن التعاطي بإيجابية مع اقتراح ميقاتي بأن يسمي هو شخصياً الوزيرين البديلين لوزيري الاقتصاد أمين سلام، والمهجّرين عصام شرف الدين، على أن يأخذ في الاعتبار رئيس الجمهورية باختيارهما شرط ألا يشكلا تحدّياً لنواب عكار أو للحزب «التقدّمي الاشتراكي» برغم أن رئيسه وليد جنبلاط ينأى بنفسه عن تسمية الوزير البديل.
فالجولة الخامسة من مشاورات التأليف لم تحقق أي اختراق لتسريع ولادة الحكومة العتيدة، لأن عون أقفل الباب، كما قال المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»، أمام التداول بالمخارج لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزّم، ولم يعلّق على اقتراح ميقاتي بأن يترك له الحرية بتسمية الوزيرين البديلين، مكتفياً بالغمز من قناة بري بتوجيه سلسلة من الانتقادات له، بذريعة أنه يعيق تحقيق الإصلاحات التي يطالب بها عون محملاً إياه مسؤولية الضلوع إلى جانب الآخرين في إفشال عهده.
ويلفت إلى أن عون أوصل تشكيل الحكومة الجديدة إلى طريق مسدود بسبب إصراره على توظيف الجولة الخامسة لشن هجوم غير مسبوق على بري، من دون أن يشمل حليفه «حزب الله» بالانتقادات التي ساقها ضد رئيس البرلمان.
ويؤكد المصدر الوزاري أن ميقاتي حاول التدخّل لإعادة الاعتبار لمشاورات التأليف رافضاً إقحام الجولة الخامسة في خلافات سياسية أو السير في هجوم عون على بري، ويقول إن رئيس الجمهورية لم يكن في وارد التداول في المخارج المؤدية إلى تشكيل الحكومة، حتى إنه تجنّب طرح البدائل للصيغة المقترحة من ميقاتي بتعويم حكومة تصريف الأعمال من دون أن يعترض على إدخال أسماء وزراء جدد، بحدود معينة.
وإذ يستبعد المصدر نفسه أن تكون للبحث صلة بين عون وميقاتي لاستئناف المشاورات حول تشكيل الحكومة، يقول في المقابل إن عون لم يكرر مطالبته بتشكيل حكومة موسعة من 30 وزيراً، من بينهم 6 وزراء سياسيين، وهذا ما يطرح جملة من الأسئلة حول أسباب لجوئه إلى توتير الأجواء، وتحديداً مع رئيس البرلمان، كونها لا تخدم الانتقال السلمي للسلطة بانتخاب رئيس جديد.
ويسأل المصدر عما إذا كان عون برفضه البحث في تشكيل حكومة جديدة يتناغم مع وريثه السياسي باسيل بتوفير الأجواء السياسية المواتية له للاستثمار في تأزيم الوضع وإقحام البلد في فراغ رئاسي، ويقول إنه يصرّ على إيصال البلد إلى طريق مسدود، وهذا يستدعي التدخّل من المجتمع الدولي في الوقت المناسب لقطع الطريق على الفريق السياسي لعون الذي يخطط منذ الآن لسحب اعترافه بحكومة تصريف الأعمال.
ويؤكد أن عون بهجومه المفاجئ على بري، بالتناغم مع باسيل، يحاول أن يرمي المسؤولية في إخفاق عهده على كاهل الآخرين، برغم أن بري يكاد يكون السياسي الوحيد الذي بقي منسجماً مع نفسه ولم يبدّل موقفه من عون برفض انتخابه رئيساً للجمهورية، وإن كان حاول مراراً أن يدخل معه في مساكنة، لكنها لم تدم طويلاً، لأن لباسيل حسابات أخرى، تبدأ بطموحاته الرئاسية التي تلقى مقاومة من رئيس البرلمان.
كما أن عون وباسيل شكّلا إحراجاً لحليفهما «حزب الله» الذي تدخّل مرات عدة في سعيه لتبريد الأجواء بين حليفيه، وصولاً إلى إقناعهما بضرورة الدخول في مهادنة، لكنه لم يفلح، برغم أن باسيل راهن على أنه يدخل في مقايضة مع الحزب، لقاء وقوفه إلى جانبه في اشتباكاته السياسية المتنقلة مع بري.
لذلك، فإن المشهد السياسي مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس العتيد يقف أمام مزيد من التصعيد الذي لا يمكن لجمه إلا بتدخّل خارجي، في ضوء ارتفاع منسوب التوتر بين عون وفريقه السياسي، وبين بري الذي لن يبقى وحيداً في ساحة المواجهة، برغم أن «حزب الله» أخفق في تطويع هذا الفريق لتهيئة الأجواء أمام ولادة الحكومة بتشريع الحالية لأنه يصر على شروطه التي لا يمكن للحزب السير فيها إصراراً منه على تحصين الثنائي الشيعي بعدم تخلّيه عن حليفه الاستراتيجي رئيس البرلمان.
ويتوقف المصدر السياسي أمام هجوم رئيس البرلمان في خطابه في ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر على عون وفريقه السياسي، ويكشف أن باسيل كان البادئ في استهدافه للثأر منه لاحتضانه ميقاتي.
ويسأل عن الفائدة من إعادة تذكيره بالأمور الخلافية مع بري الذي انتقد بعنف، للمرة الأولى، عون، بطريقة غير مباشرة، عندما أشار إلى اختباء السلطة وراء شعار «ما خلونا» محملاً إياها، في حضور ممثل عون وزير الطاقة وليد فياض، مسؤولية الانهيار الذي أصاب قطاع الكهرباء، فيما كاد ممثل «التيار الوطني» النائب غسان عطا الله ينسحب من المهرجان، لولا مبادرة النائب السابق إميل رحمة إلى إقناعه بعدم الانسحاب.
ويقول المصدر نفسه إن هجوم بري على عون من دون أن يسمّيه وفريقه السياسي لم يأتِ من فراغ، وإنما له أسبابه الموجبة لوضع النقاط على الحروف؛ خصوصاً أن باسيل يحمّله في مجالسه الخاصة مسؤولية الطلب من وزير المال يوسف خليل عدم التوقيع على المرسوم الخاص بتعيين رؤساء الغرف في محاكم التمييز، وهذا ينسحب أيضاً على مرسوم ترقية الضباط المعروفين بـ«دورة العماد ميشال عون»، إضافة إلى التفافه وبعض حلفائه على الخطة الإصلاحية لعون.
ويتوقع المصدر نفسه أنه لا مجال لتشكيل حكومة جديدة أو تعويم الحالية لأن المراوحة تطغى على كل المحاولات للوصول بها إلى بر الأمان، من دون أن يستبعد لجوء هذا الطرف أو ذاك لاستخدام السلاح السياسي الثقيل، وانضمام قوى أخرى إلى الحرب المفتوحة، في ظل تقدم الفراغ الرئاسي حتى الساعة على انتخاب الرئيس، وبذلك يكون بري قد استبق «جردة الحساب» التي يعدها عون لولايته الرئاسية بـ«جردة» من نوع آخر.