هي الذكرى السادسة ليوم السابع من أيار المشؤوم، تطل مجدداً والقضية ذاتها «سلاح حزب الله». السلاح الذي ما زال يُشكل عائقاً أمام قيام الدولة ومصدر خوف لكل اللبنانيين، خوف من عودة شبح اليوم «المجيد»، خوف من فقدان أحبّة وأصدقاء، لكن الخوف الأكبر والأعظم هو من أن يفقد الشعب إيمانه بوطنه أو ربما الوطن بحد ذاته.
في مثل هذا اليوم استدارت التي كانت أشرف بندقية في تاريخ الأمة الى صدور أهلها العُزّل وسط تكبيرات «الله أكبر» حتى ظننا أن معركة تطهير البلد من العدو الإسرائيلي قد بدأت مجدداً من العاصمة بيروت ووسط صيحات «صلوا على محمد وآل محمد» كانت تُطلق في كل مرّة كانت تدخل فيها جماعات «أشرف الناس» الى مركز إعلامي أو طبي أو حتى اجتماع تابعين لتيار «المستقبل» علماً أن كل تلك المؤسسات، لم تشهد يوماً تفرقة بين لبناني وآخر بل استوعبت الجميع تحت راية واحدة عنوانها «ما حدا أكبر من بلدو«.
«لن نُقتل بعد اليوم على الطرقات». هي جملة واحدة أطلقها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال إطلالة تلفزيونية في السابع من أيار 2008 كانت بمثابة كلمة السر وكافية لاجتياح العديد من المناطق اللبنانية في الجبل وبيروت وإشعال حرب مذهبية كادت أن تنطفئ نيرانها مع مرور الأيام لو لم يطل مجدداً ليُذكيها من خلال وصفه لليوم المشؤوم على أنه «يوم مجيد من أيام المقاومة في لبنان لأنه وضع لبنان على طريق الحل وأخرجه من الأزمة» داعياً كل من تأذى وتألم في ذاك اليوم الى «عدم نسيانه«.
يوم «مجيد» ولّد القهر والذل في نفوس الكثيرين، رواسب لم تمحها الذاكرة رغم مرور سنوات ست على أحداثه، في بيروت هناك من لم يزل يشغل باله احتمال عودة شبح الحرب المذهبية خصوصاً أن كل المؤهلات جاهزة وحاضرة ربما تنتظر إشارة ثانية. السلاح يتضاعف ويتكاثر بيد فئة محددة لدرجة تخطى فيها حدود سياج الوطن وأصبح يُقاتل بالنيابة عن أنظمة وأشخاص وفي الوقت الذي كُنّا ننتظر الأوامر لدخول هذا السلاح الى الجليل المُحتل، إذ بنا نراه في دمشق وحلب وحمص يقتل الأطفال ويستبيح الحرمات تحت ذرائع واهية وحجج بالية.
الزمن نفسه يتكرر والمُسببات حاضرة ناضرة، فما يحصل اليوم من تعطيل لانتخاب رئيس للجمهورية يُعيد اللبنانيين جميعاً وتحديداً البيروتيين الى اليوم المشؤوم، الظروف مشابهة وفائض قوّة السلاح هو نفسه الذي يتحكم بمصيرهم، ومن هنا لا يستبعد هؤلاء اللجوء الى عملية ضغط يمارسها الفريق المسلّح للذهاب الى «دوحة 2» على غرار ما حدث من قبل، لكن أكثرهم إيلاماً أولئك الذين فقدوا أعزّ ما يملكون، أبناءهم وأصدقاءهم تماماً كما حصل مع الرجل السبعيني حسن طبارة الذي فقد زوجته وابنه أمام عينيه في اليوم «المجيد» والذي يُصرّ على أن لا تُفارق الابتسامة وجهه مسلّماً أمره لمشيئة ربه راضياً بمصابه الأليم مكتفياً بترداد جملة وحيدة تقول «كل إناء بما فيه ينضح«.
مشهدان لم ولن يُمحيا من ذاكرة اللبنانيين على الإطلاق، الأول لجنود إسرائيليين توّزعت جثثهم على أرض المعركة في جنوب لبنان منهم من كان لم يزل حيّاً يصرخ متألماً ويطلب إغاثته في الوقت الذي كان ينصب عليهم رصاص رجال قيل فيهم ذات يوم بأنهم «رجال الله في الميدان» قبل أن يُقلب على المشهد الثاني يوم اقتحم هؤلاء أنفسهم شوارع العاصمة وعاثوا فيها فساداً حتى قيل إن رجل ثمانينياً خرج من بيته ليُرشدهم الى طريق القدس ظناً منه بأنهم قد ضلوا طريقهم.