IMLebanon

١١ سبتمبر جديدة!

عالم عربي يموج بالأزمات والاضطرابات والصراعات التي تحتاج إلى قرارات جريئة تاريخية لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.

لا شك في أن من أسباب ما يحدث في الإقليم تمكّن الجماعات الإسلاموية الإرهابية من استغلال حجم الهوة الكبيرة والخلافات المتزايدة بين دول المنطقة.

جميع دول المنطقة بينها خلافات، ونزاعات، ومطارحات، سواء علنية أم صامتة!

لو كان بين هذه الدول الجارة والشقيقة علاقات جيدة وتنسيق أمني وسياسي، لما وصلت المنطقة إلى هذا المستوى من المراهقة السياسية والانفلات الأمني كما وصلت إليه اليوم.

تكاد تكون غالبية دول المنطقة دولاً منتهية الصلاحية، ولا بد لها من رأب التصدعات في العلاقات، أو ستكبر كرة ثلج التطرف والإرهاب، وتتدحرج لتشمل الكل، لتكون المنطقة كلها حمام دماء وشعوبها نازحة ولاجئة، حتى من لا يزال يعتقد أنه محصّن وبمنأى عما يحدث من حوله من أحداث.

من متابعتي للصحافة الغربية خلال الأيام الماضية، خصوصاً صحيفة «التايمز» البريطانية، أعتقد أن الغرب أضحى في «محنة» حيال ما يجب عليه القيام به لتحجيم «داعش» ووقف تمدده في العراق وسورية تحديداً.

وبينما نحن في هذا الجانب من العالم نتوقع أن الغرب سيقوم بهذه المهمة نيابة عنا، فإنّ الرأي العام الغربي لا يكترث كثيراً بما يقوم به «داعش» وأخواته، وما يهمه في هذا الأمر هو منع إرسال قوات عسكرية غربية، حتى لا يضيع أبناؤهم في محرقة «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» ومن على شاكلتها!

في العالم العربي، هناك توافق عريض بين المعتدلين على أن «داعش» ينبغي وقفه عند حده ولجم تمدده ونزع قوته، وهو أمر لا يتحقق إلا بقوة مضادة أكبر، وهي لا تتوافر إلا عند القوى الكبرى. والكل يعلم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ضعيف ومتذبذب ومتردد، وربما لم يمر على البيت الأبيض أضعف منه، فهو يخشى أن تنتاشه السهام إذا فكّر في مساهمة عسكرية لدحر «داعش». وتردده هذا هو الذي أودى بسورية إلى هذا المصير المجهول، على رغم النصائح التي قدمت له منذ بداية الأزمة.

العرب في مآزق كبيرة منذ عقود طويلة. لكن يبدو أيضاً أن الغربيين في مأزق حقيقي آخر مع وجود «دواعش» متشددين في شوارعهم. قلوب الغرب مع إيران وكيفية هندسة صفقة «اتفاق جنيف» مع طهران، وفي الوقت نفسه يخشون أن أية مساعدة لحكومة نوري المالكي في العراق ستستفيد منها طهران. كما أن الغربيين متشككون حيال سنّة العراق، لأنهم يعرفون أن «داعش» حقق ما حققه من احتلال لمدن ومعابر بمعاونة العشائر السنية. وكردستان مثل الذي يقول «لم أمر بها ولم تسؤني»، فما يهمها أن يستمر الاضطراب الراهن حتى يتعزز الأمر الواقع الذي تريده: استقلالها، ما دامت بدأت تتذوق طعم أموال نفط كركوك، والواقع أنها عملياً غدت إقليماً ليس للمركز العراقي سيطرة عليه.

من ناحية عملية، أعتقد أن السعودية ودول الخليج أفضل حالاً من الغربيين ومخاوفهم، خصوصاً أن السعودية لديها خبرات تراكمية وقد جربت مواجهة التنظيمات الإرهابية الشبيهة بـ«داعش» ونجحت في إحباطها، حتى وإن فشلت في مناصحتها!

كما أن الرياض ساندت اليمن في حربه على «القاعدة»، ولا تزال مستمرة في ذلك، ولا تزال تواجه خلايا «القاعدة» النائمة في «جزيرة العرب» وآخرها خلية شرورة، واتخذت إجراءات صارمة ضد «الإخوان المسلمين»، الوجه الناعم للإسلام السياسي الدموي، ومعها تنظيمات إسلاموية إرهابية أخرى، بعد أن خبرتها عن قرب.

ولكن وعلى رغم أن السعودية خبيرة منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وواجهت «دواعش» عدة، جميعها تكفّر وتفجّر وتدمّر وتزهق دماء الأبرياء وتمص دماء الأطفال والنساء، فإن تمدد «داعش» يثير القلق والخشية المستقبلية، لأنه – كبقية التنظيمات الجهادية المتطرفة – استئصالي إجرامي دموي، ولا يؤمن بالتعايش مع الآخر، حتى لو كان الآخر منتمياً إلى ديانته نفسها.

ولذلك لا بد من دحر «داعش»، وتحطيم طموحاته التوسعية، وتكسير عظامه وتفكيك عناصره، وهو ما يحتّم على – العرب والمسلمين جميعاً – الالتقاء في تلك النقطة مع الحكومات الغربية، التي بدأت تشعر بالقلق والرعب من أفعال «داعش» وأخواته، وتجاوزها مبادئ حقوق الإنسان التي كانت تمنعها من فهم عبارات من قبيل «العائدون من أفغانستان» و«العائدون من العراق»، فقد أضحى الغربيون بحسب تقارير إعلامهم أخيراً يشعرون بالرعب من عودة «العائدين من داعش» ومن غيرها من تلك التنظيمات الجهادية، خصوصاً العائدين إلى بريطانيا وبلجيكا وفرنسا.

هل شعور الغرب والعرب بالخطر الداهم يرغمهم على شن حرب جديدة على الإرهاب وفق آليات جديدة حتى لا تتكرر حقبة جديدة أشبه باعتداءات ١١ سبتمبر في أميركا و٧-٧ في بريطانيا والمجمعات السكنية في السعودية؟ الإجابة: ربما!