لعبة الامم التي لا يعرفها ولا يتقنها إلاّ القليل القليل من رجالات الدولة… في هذه اللعبة قواعد بسيطة ولكنها، في آنٍ معاً، صعبة ومعقدة… هي سهلة للأذكياء والدُهاة، ولكنها صعبة لأصحاب النظريات والشعارات غير القابلة للتنفيذ.
على سبيل المثال لا الحصر:
منذ مجيء الخميني الى السلطة في طهران رفع شعار «الشيطان الأكبر والشيطان الاصغر» فكيف يمكن ترجمة هذه الشعار؟
الجواب: الترجمة بسيطة: «الموت لأميركا»… تظاهرات… هتافات… محاصرة السفارة الاميركية في طهران 444 يوماً.
ويبقى سؤال بسيط: كيف انتهت عملية محاصرة السفارة تلك؟
بكل بساطة، كان رونالد ريغان مرشحاً للرئاسة الاميركية، وقال في حملته الانتخابية لن أسمح باستمرار محاصرة سفارتنا في طهران، وسأنقذها في دقيقة واحدة إذا انتخبني شعبنا رئيساً.
وهذا ما حصل فعلاً، فقد انسحب الحرس الثوري الذي كان يحاصر السفارة ويمنع الدخول إليها والخروج منها… انسحب فجأة، ومن دون أي تبرير!
قد يظن الايرانيون انه بذكائهم وقوتهم استطاعوا ان يسيطروا على العراق بعد الغزو والاحتلال الاميركي له وحل الجيش وإعدام الرئيس صدام حسين.
وبذلك سهلت أميركا لإيران عملية الهيمنة على العراق لسبب جوهري وهو ان واشنطن كانت ولا تزال تسعى الى الفتنة بين أهل السُنّة والشيعة، علماً ان نظام الخميني اخترعته المخابرات الاميركية وجاءت به من فرنسا الى إيران بشكل فيلم أميركي بإخراج عالمي متقن، حتى ان آية الله الخميني نفسه صدّق انه شخصية عالمية وقائد ثورة وبقدرته، كما يدعي حلفاؤه، انهم يسيطرون على أربع بلدان عربية: العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في العام 2000، بعد وفاة حافظ الأسد وتسلم ابنه بشار مقاليد الحكم في سوريا، جاءت الإغراءات له من الايرانيين لتعمي قلبه وتأخذ عقله عندما أعطوه أربعة مليارات دولار لبناء المفاعل النووي، فدخلت طائرات مروحية اسرائيلية الأجواء السورية فوق دير الزور ودمرت المفاعل من دون أن تستطيع الرادارات السورية التقاطها أو أن تعرف أي شيء عن العملية إلاّ بعد انتهائها بساعات، علماً ان المخابرات الاسرائيلية الموساد أعطت نفسها سنتين تحضيراً ومن خلال Trafic line اكتشفت الموساد أنّ هناك عشرة آلاف اتصال بين دير الزور وكوريا الشمالية، ما أثار لديها الشك… وترقبت مجيء أحد الضباط (والأرجح انه كان محمد سليمان) الذي وصل الى لندن ومعه جهاز كومبيوتر تركه في غرفة الفندق وتوجه الى سفارة بلده، وعلى اثر مغادرته دخل ثلاثة من رجال الموساد و»درسوا» الكومبيوتر وحللوا المعلومات فيه… وتوصلوا الى حقيقة المفاعل النووي، ولم يكتفِ الاميركيون بالمعلومات التي نقلها إليهم الموساد، فاضطر الموساد الى القيام بعمليات تصوير والحصول على معلومات على الارض… فكانت الموافقة الاميركية على العملية. وكان التمديد للسيىء الذكر إميل لحود في الرئاسة، ما وضع بشار في حضن ايران وحضن «حزب الله»، وهذا ما كان عصياً على الخميني ايام حافظ الاسد.
طبعاً ومن خلال «حزب الله» في العام ١٩٨٣ ودعمه مالياً وعسكرياً (الكلفة حتى اليوم ٧٠ مليار دولار) سيطر الايراني من خلال «حزب الله» على لبنان… صحيح ان هناك جيشاً لبنانياً وان هناك انقساماً سياسياً، ولكن استغلت ايران «حزب الله» والسيطرة السورية على لبنان فنجحت في مد سيطرة «حزب الله» على الجنوب والبقاع وقسم من بيروت، فأصبح لبنان اسيراً للمشروع الايراني. وأخيراً، اليمن دخلته إيران من خلال مشروع طائفي ينفذه لحسابها الحوثيون.
جرى هذا كله في عهد الأسوأ ذكراً باراك اوباما، وجاء خليفته ترامب فشعر بأنه في غياب الدور الاميركي أخذ الروسي والايراني فرصاً ما كانا يحلمان بها… صحيح ان أميركا حققت الفتنة المذهبية، ولكن وأدها يقتضي سنوات وعقوداً وربما أجيالاً، واليوم تريد اميركا أن تعيد إيران الى إيران ولن تسمح لها ان «تتهنى» بالتهديد والشعارات التي رفعتها بسيطرتها على العواصم الاربع.
والواقع ان طهران لم تدرك ان اللعبة انتهت! والأهداف كلها التي ارادتها اميركا لمصلحة إسرائيل قد تحققت، وأبرز نتائجها: نقل السفارة الاميركية الى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والهيمنة على الجولان، في إطار مشروع «الشرق الاوسط الجديد»… وهذا ما كان مقدّراً له ان يتحقق إلاّ بالفتنة السنية – الشيعية والحروب الاهلية في لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن…
عوني الكعكي