10 مستشفيات من أصل 60 مستشفى توفر العلاج الكيميائي، توقفت عن تزويد مرضى السرطان بجرعات العلاج. بالنسبة المئوية، يعني هذا الرقم أن 15% من المستشفيات التي تقدم العلاج أوصدت أبوابها في وجه المرضى. الأخطر أن هذه الجردة غير نهائية، وأن العدد مرشّح للارتفاع
اليوم، تتوقف المستشفيات عن استقبال المرضى «باستثناء الحالات الطارئة، مرضى غسيل الكُلى والعلاج الكيميائي». هو توقّف تحذيري – ليوم واحد فقط – تقوم به المستشفيات، كدلالة على «المحذور» الذي وصلت إليه في عز الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، والتي وصلت معها المستشفيات إلى «آخر نفس»، كما يقول بيان النقابة، خصوصاً مع الاقتراب من مرحلة «انقطاع اللوازم الطبية».
ليست هذه الدعوة سوى جرس إنذار لاستدراك الوضع المأزوم الذي راكمته الأزمة المالية الحالية سوءاً. ولئن كان الخطر اليوم يطال المستلزمات الطبية، إلا أنه سبق أن طال خدمات وعلاجات، توصّف اليوم في بيان النقابة على أنها طارئة، منها مرضى غسيل الكُلى التي بدأت ملامح الأزمة فيها، والعلاجات الكيميائية في بعض المستشفيات التي طالها التقشّف، وصولاً إلى التوقّف.
في الشق المتعلق بمرضى غسيل الكُلى، بدأت الأزمة تتسرب إلى المستشفيات، مع «خفض أحد المستشفيات الجلسات الشهرية للمرضى من ثلاث شهرياً إلى اثنتين»، بحسب نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. صحيح أنها شكوى واحدة عن مستشفى واحد، ولكن يمكن التأسيس عليها عمّا ينتظر هؤلاء المرضى. أضف إلى ذلك أن هذا المستشفى وحده يقدّم خدمات لعدد كبير من مرضى قسم «غسيل الكُلى»، يصل الى 130 مريضاً.
أما في ما يتعلق بالعلاجات الكيميائية، فقد توقفت بعض المستشفيات، بالفعل، عن تقديم تلك العلاجات نهائياً. بالأرقام، يشير هارون، إلى أن 10 مستشفيات من أصل 60 توفّر العلاج الكيميائي (من بين 127 مستشفى خاصاً) لم تعد تعطي «الجرعات» للمرضى. هذه آخر جردة، لكن الأزمة تتدحرج ككرة ثلج. ويؤكد هارون أن الخشية اليوم من أن تكبر لائحة المستشفيات العاجزة عن تأمين العلاجات. ورغم أن الأزمة الحالية أحد أسباب «الانهيار»، إلا أنه، بحسب هارون، ثمة «أمر واقع» لا يمكن العبور فوقه أوصل إلى هذه «الحسبة»، يتعلّق بـ«الحسابات» المفتوحة بين المستشفيات والجهات الضامنة، وأبرزها وزارة الصحة، وبينها وبين مستوردي الأدوية.
في الشق الأول، وصلت الأمور إلى طريق مسدود مع الجهات الضامنة، باستثناء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ لم تتقاضَ المستشفيات مستحقاتها منذ 18 شهراً. كان ثمة وعد أواخر تشرين الأول الماضي بحصول المستشفيات على مستحقاتها في ذمة وزارة الصحة العامة «لنسكّر النص التاني من عام 2018»، إلا أن ذلك لم يحصل. هكذا، بدأت الإجراءات التقشّفية تزداد قساوة، لتمسّ العلاجات الكيميائية».
التأخر في تسديد المستحقات، إلى عوامل أخرى، خلقت لدى المستشفيات «أزمة سيولة انعكست في التأخر عن تسديد الفواتير لمستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية». علماً أن الفواتير تستحق «بعد 4 أشهر من تاريخ التسليم أو 6 أشهر كحدّ أقصى». يفرض ذلك على المستشفيات إقفال بعض أقسام الحالات الباردة أو الاستغناء عن تلك المكلفة أو خفض رواتب العاملين أو تسريحهم… يحدث ذلك لسببين أساسيين: «إذا ما دفعنا بيوقفوا يزودونا بالدوا، ولذلك بدنا نخلق مصاري لندفع»، وثانياً أنه لا بديل عن تلك الشركات للحصول على الدواء. ففي ما يتعلق بأدوية العلاج الكيميائي، ثمة 4 موردين – وموزعين في الوقت نفسه – «يملكون 90% من العلاجات». بمعنى آخر، 4 شركات تحتكر 90% من علاجات لا بديل عنها لمرضى يفقدون حماية الدولة حتى في أبسط حقوقهم. أربع شركات تمسك برقاب الكل: مرضى ومستشفيات ودولة (وزارة الصحة والجهات الضامنة الأخرى). وهنا، بيت القصيد.
العلاقة مع الموردين لا لعب فيها. فثمة مهل للدفع «لا يمكن أن نتغاضى عنها»، يقول هارون، لأن أمام الشركات «خيار رفع شكوى للحجز على مقبوضات المستشفى المخالفة لدى وزارة المالية، خصوصاً أن الوكيل يملك مستنداً يثبت بأنه سلّم المستشفى ما طلبه منه، وبإمكانه تقديمه إلى المحكمة والحجز على المقبوضات».
«ليست مسألة كباش»، يقول أحد الموردين. وهي أعقد من مجرّد اتخاذ قرار. ثمة حلقة موصولة، إن «فرط جزء منها، رح تفرط كلها». وضمن هذه الحلقة «ما حدا عم يدفع لحدا». هكذا، هي المعادلة. بالنسبة إلى الموردين، «المشكلة بالقبض، وديوننا مشتّتة في السوق بين القطاعين العام والخاص ومنها المستشفيات». لهذا المورد في ذمة وزارة الصحة وحدها 40 مليون دولار، عدا عن الجهات الأخرى من عام وخاص، ومنها المستشفيات. مع ذلك، «بعدنا ملتزمين»، يقول أحد المدراء الإقليميين لإحدى شركات الأدوية في الشرق الأوسط. لكن، هناك مشكلة «بالنسبة إلينا أيضاً»، وهي تتعلق بـ«مستحقاتنا التي هي بحدود 130 مليار ليرة فقط من وزارة الصحة، وكان من المفترض أن تكون مع الموردين». تضاف إليها «120 ملياراً أخرى هي قيمة المناقصة بالتوريد الجديد للوزارة». وإلى ذلك أيضاً «تضاف المستحقات التي في الأسواق، ومنها المستشفيات». ولئن كانت تلك الشركات «تتفهم» أزمة بقية أطراف الحلقة، إلا أن «هناك ضغطاً مالياً نتحمله».
إلى ذلك، هناك العلاقة مع الشركات في الخارج، والتي تتأثر بتداعيات الأزمة الراهنة. هناك «موردون قد يتفهّمون الأزمة التي يقع فيها لبنان ويقولون تالياً إن علينا الوقوف مع زبائننا»، ولكنّ هناك «موردين غير مستعدين للمخاطرة بأموالهم في بلد يستطيعون الاستغناء عنه إذا ما استندوا إلى قيمة المردود منه».
يحتكر 4 موردين 90% من العلاجات الكيميائية التي لا بديل عنها
«الحل الوحيد لإنقاذ قطاع الأدوية هو بتحويل المستحقات إلى الموردين في أقرب وقتٍ ممكن»، يقول المدير الإقليمي. وإن كان هؤلاء لم يتخذوا حتى الآن في حق من يدينون لهم «أي قرار، لأن صعبة نلعب هالكباش»، ولكن السؤال «أديش فينا نتحمل، وهو سؤال يتعلق بكل شركة بشركتها». أما القرار إذا أتى، فالأكيد أنه سيأخذ في الحسبان «ما يتناسب مع عدم انهيار الشركات».
هذه حلقة، والمسؤولية عن هذه الأخيرة ليست منفردة، وإنما يتحملها الجميع: من الجهات الضامنة إلى المستشفيات إلى الموردين. ففي ما يخص الجهات الضامنة، «عندما لا يكفي السقف المالي، يمكن العمل على أساس من هم أولى بالخدمة خلال الأزمات؟». وهذه مسؤولية الدولة في تقدير الأولويات لناحية الحالات الباردة والحالات الطارئة والملحّة. والجزء الثاني، فلتتحمله المستشفيات نفسها التي عليها أيضاً تحديد أولوياتها، حتى بالنسبة إلى خيار «التسكير». هذه المستشفيات هي نفسها التي تلوي ذراع المرضى في كل مرة تستشعر بالخطر. وفي الجزء الثالث، هناك الموردون الذين أوصلتهم المستشفيات والدولة ليقرروا في لحظة ما «فرط» هذه الحلقة.