كثيرون ينتظرون أن تغرقَ 14 آذار أكثر ليُمعِنوا في الشماتة والتشَفّي. في المقابل، هناك الذين يريدون لها أن تنهضَ من عثراتها. المشكلة في 14 آذار هي أنّها نفسَها مُصِرَّة على أن تمنحَ الخصومَ مبرِّرات الشماتة، لكنّها لا تمنح الأصدقاءَ أمَلاً في أنّها ستنهض ذات يوم…
تمخَّضَ المؤتمر الثامن… فما ولَدَ شيئاً. لماذا؟ لا أحد يعرف. وأمّا الذي يريد أن يسأل فلن يحصل على جواب:
1- لأنّ السؤال الذي يُطرَح على 14 قد يواجَه بالتخوين والتشكيك.
2- لأن لا رأسَ لـ 14 يمكن مراجعته في شيء.
3- لأن لا أحد مستعدّ لتبَنّي الفشل. فالفشلُ يتيم دائماً لا أب له. وأمّا النجاح، إذا حصل مرّةً، فله آباء كثيرون.
في أيّ حال، للأمانة التاريخية، ولإعطاء 14 آذار حقَّها، فالحرب التي يخوضها هذا الفريق شرِسة وأكلافُها مدفوعة دماً لا حبراً، ويمكن أن تُدفَع أكلافٌ أخرى في أيّ لحظة. ولذلك، يحقّ لـ 14 آذار أن تقول لمنتقدِيها: الحرب بالنظّارات سَهلة!
ولكن، للأمانة أيضاً، إنّ 14 آذار استَسهَلت كثيراً حربَها منذ اللحظة الأولى، وتَصرَّف بعضُ أركانها من منطلقات المصلحة الفردية، فأعادوا الرهانَ على المعادلات التي كانت قائمة في العهد السوري. ووافقَت 14 آذار على الدخول في رهانات غير واقعية، من نوع «الحلف الرباعي».
وفلسفة هذا الحلف قضَت بعَقدِ صفقةٍ مع «حزب الله» وحلفائه، تمريراً للوقت، وانتظاراً لمتغيّرات إقليمية وداخلية تُتيح حسمَ المعركة. ولكن، لم يخطر في بال «ثورة الأرز» أنّ ذروةَ انتصارها كانت في 14 آذار 2005، وأنّ الوقت الآتي سينتزع منها الانتصارَ ويمنحه لـ«الحزب».
بقيَت 14 آذار ضائعة. تارةً تتحالف مع «حزب الله» وحلفائه وطوراً تواجههم. وربّما كان هذا الضَياع هو السبب الأوّل في ما وصَلت إليه اليوم. وأمّا الرهانات على المتغيِّرات الإقليمية، فكانت خاسرةً دائماً. ولم ينجح مُنَظِّرو 14 آذار في قراءة الحدث السوري، ولم يُدركوا أنّ سقوط الرئيس بشّار الأسد لم يكن وارداً منذ اللحظة الأولى.
10 سنوات: تكاد تنتهي 14 آذار ولا تنتهي تجاربُها، مع أنّ المَثل المعروف يُحَذِّر مِن «تَجْريب» المجرَّب، وإحدى الصلوات تقول: «لا تُدخِلْنا في التجارب»…
في 14 آذار 2015، المعادَلة هي إيّاها كما كانت في 2005، زمن «الحِلف الرباعي»:
– حوار مع «حزب الله» بوساطةٍ من حلفائه، «على أمل جَذبِه إلى منظومة الدولة».
– ضَياع في داخل مكوِّنات 14 آذار حول استراتيجية المرحلة المقبلة.
وفوقَ ذلك، ازدادَت الكفّة رجَحاناً لمصلحة «الحزب»:
– في 2005، لم يكن سلاح «الحزب» مضموناً إلى هذا الحَدّ، ولم يكن قد تَمدَّد إلى الخارج. وأمّا اليوم ففريق 14 آذار اعترَف بالحوار مع «الحزب»، بالتقسيط، وبمشاركته الحكومة، من دون أن يتخلّى عن سلاحه أو يخرج من الحرب السورية.
– في 2005، كانت هناك قوى دوليّة كبرى داعمة لـ 14 آذار وهي لم تعُد موجودة.
– في 2005، كانت المعادلة الإقليمية متوازنة بين المحور السوري – الإيراني والمحور المقابل، وأمّا اليوم فالأسد قويّ، وطهران تتمدّد في الشرق الأوسط برعاية دولية.
وأمس، كانت جماهير 14 آذار تنتظر أن يقوم قادتها بمراجعة فعلية في الذكرى العاشرة، بدلاً من الحفلات الاستعراضية البديعة، الأنيقة موسيقياً وسينمائياً على الطريقة الأوروبّية.
لكنّ ما جرى في «البيال» لم يحمل، لا أناقة استعراضية ولا مراجعة حسابية موجِعة، بل كان مجرّد انكشافٍ للعَورات التي تصيبُ 14 آذار وتمنَعها من التقدُّم.
المئات في الصالة لم يَفعلوا شيئاً. ولم يكن معروفاً ماذا جاؤوا يفعلون: ليعلِنوا الورقة والمجلس الوطني أم للنقاش حول الورقة والمجلس! وقد يكون إيجابياً عدم نقلِ الوقائع عبر الشاشات. فالجماهير متعَبة فعلاً. وقد يكون عدم النقل سلبياً لأنّه سيُبقي أموراً عدّة مخبّأة على الناس.
وكثيرٌ من الحاضرين الـ 400 سيكونون إجمالاً «مجلس الشورى» المَنوي إعلانُه في 14 آذار، بعد شهرين. وثمَّة مَن يقول، مِن باب المبالغة المريرة، إذا استمرَّ «تخييب» الجماهير الـ 14 آذارية، فربّما سيصبح أعضاء المجلس الوطني، ذات يوم، وحدَهم دون سواهم، جماهير 14 آذار. وأمّا الباقون خارجَه فهم جماهير الأحزاب والتيارات والزعماء!
وأساساً، لا تشرَح 14 آذار: كيف للحشدِ في المجلس الوطني أن يؤدّي دوراً إستشارياً في إنتاج القرار، إذا كان قادة 14، وهم بعددِ أصابع اليدين، عاجزين عن تحقيق ذلك؟
المهِمّ أنّ كلّ ذلك يَحصل، ولا مجالَ في 14 آذار للمراجعة بين مكوِّنات الفريق، كما لا مجال للمراجعة في داخل كلّ مكوِّن. فالروح الطاووسية مزدهِرة في العديد من الأماكن، وفي هذه الحال، يصبح سهلاً التراجع لا المراجعة.
لقد انتظرَ الجميع أن تكون 14 آذار تعلَّمَت الأمثولات والعِبَر من خيبات السنوات العشر. لكنّ قادة 14 أصَرّوا على أَلّا يتغيَّروا. و»سُبحان الذي يغيِّر ولا يتغيَّر»!