IMLebanon

10 سنوات على «التفاهم»: مدرسة في السياسة

يأتي العام العاشر للتفاهم ـ التحالف بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وسط جدليات كبرى أحاطت بلبنان والمنطقة، وفرضت تحديات من نوعٍ مختلف عما كانت شهدته الفترة الأولى حين تعرض التفاهم، في خطواته الأولى، إلى أقصى امتحان في لحظة مفصلية في العام 2006، أراد من خلالها العدو الصهيوني بمباركة أميركية وغربية، ومشاركة عربية خليجية (تكشفت فصولها لاحقاً)، شطب المقاومة من معادلة المنطقة لفرض الإيقاع الصهيوني عليها. يومها كان الخيار حاسماً وحازماً ودون أي تردد، في الإعلان جهاراً وبأعلى الصوت، الانحياز إلى لبنان المقاومة ضد العدوان وكسر كل حواجز التهديد والتخويف بالمصير الأسود الذي يمكن أن يلقاه من يساند المقاومة. لكن الوضوح والشفافية والوطنية الصادقة وعدم الخوف من التهويل، في لحظة تاريخية دقيقة، دفعت العماد ميشال عون إلى خوض المعركة جنباً إلى جنب مع المقاومة في مداها السياسي ـ الاجتماعي حيث شكل ظهيراً شرساً في وجه متآمري الداخل والخارج في تلك اللحظة.

هذه بداية البدايات، التي شكلت للتفاهم ـ التحالف عمقاً ثابتاً منغرزاً في صميم العلاقة التي تخطت ذاتها، وأصبحت شكلاً تحالفياً راقياً يتجاوز المألوف والمتداول، ليخط مدرسة في السياسة وخصوصا في العلاقة التحالفية، ربما لم يعرفها لبنان من قبل.

وفي كل لحظات القسوة والصعوبة، كان التفاهم ـ التحالف هو العلم، الذي يدهش الآخرين في قدرته على الثبات والمرونة، وعلى الاحتفاظ بخصوصية لطرفيه، تنبثق منها تكاملية رؤية وعمل، تحصن المسار وتلبي متطلباته.

لقد أفرز التفاهم ـ التحالف كتلة متراصة تملك وعياً كاملاً في الإيمان بلبنان الوطن الذي ينبغي الحفاظ على مكوناته الوجودية، بما هو انعكاس لروح الشرق وللقدرة التشاركية بمداها الأوسع، ولإنسانية الإنسان واحترام خصوصيته بشكل عام.

لقد كافح التفاهم ـ التحالف التردي المخيف لوضع السلطة ببناها الإدارية والسياسية وكل ما يمت لها بصلة، وعمل جاهداً على اختراقه ومحاولة تعديله إن لم يظفر بالتغيير، إلا أن شراسة المنظومة القائمة واحتماءها بالتخندقات الطائفية والمذهبية، في ظل جنون المنطقة وانفلات عصبياتها، شكلا، مع تفاصيل أخرى، عائقاً موضوعياً جعل المهمة أكثر صعوبة، وأبطأ عملياً الانتقال إلى واقع جديد؛ إلا أن كل ذلك لم ولن يمنع استكمال المشروع، ذلك ان البديل هو السقوط وتفكك ما تبقى من هيكل الدولة، وهذا لا يمكن القبول به أو السكوت عنه أو السماح باستكماله.

لقد بنى التفاهم ـ التحالف بعداً جديداً، في فهم حقيقة مكامن القوة في لبنان التي تحميه إن في أرضه أو شعبه أو دوره. ولقد صارت قوة الردع التي امتلكتها المقاومة والتي سخرتها للدفاع عن لبنان ضد العدو الصهيوني وخبثه المعروف تجاه لبنان، من الأسس الحاسمة في قوة الوطن والمحافظة عليه، خاصة في ظل اختلال الموازين في المنطقة لمصلحة العدو الصهيوني، مقابل قوة الدول العربية المتشظية والمتلاشية لأسباب متعددة.

لقد كانت مزاوجة المقاومة والجيش والشعب من بركات هذا التفاهم وثماره الطيبة التي حدّت من تطاول العدو على لبنان أو استضعافه. وقد تجلت صوابية هذا النهج في المواجهة المفروضة مع الوجه الآخر للعدو الصهيوني، المتمثل بأهل الظلام والتكفير وإبادة الإنسانية. هذه المقاومة تعاونت مع الجيش وتحملت أعباء كبرى وأتمت ما عليها، وما زالت في الميدان والمواجهة، لأجل الحفاظ على لبنان ومكوناته، برغم كل التضحيات التي تقدمها، ولذلك، نجحت وما زالت تحقق النجاحات، لتصبح مثالاً يحتذى به في الوطنية.

ما يمكن أن نستخلصه من هذه المسيرة العشرية، بأنها سجلت نجاحات هامة وأرست قوة التفاهم ـ التحالف، وجعلته أنموذجاً للتحالفات، وفتحت آفاقاً كثيرة ما زال القادم من الأعوام مجالا مفتوحا لخوضها بثبات وتقدم.

مبروك لـ «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» عقدهم الأول من التفاهم ـ التحالف، وإلى الأمام من أجل لبنان دولة تعمل لخدمة اللبنانيين كمواطنين حقيقيين ولا شيء غير ذلك..

(*) قيادي في «حزب الله»