IMLebanon

100 سنة على الإبادة الأرمنية والمجازر مستمرّة

يُحيي الأرمن في العالم في نيسان المقبل، ذكرى مرور مئة سنة على المجازر التي ارتكبها في حقهم العثمانيون، فقضوا على مليون ونصف مليون أرمني، وتوزع الباقون في الشتات، وهجروا إلى بلاد الله الواسعة، واندمجوا في مجتمعات جديدة، وشكلوا جزءاً أساسياً من عصبها الاقتصادي والاجتماعي. وما هم عليه في لبنان، وأيضاً في سوريا، خير دليل على ذلك. وتكمن مشكلة الارمن بعد مئة سنة، في عدم اعتراف تركيا بما ارتكبته في حقهم، ورفضها تعويض أبناء الضحايا وأحفادهم مادياً ومعنوياً، وإعادة الاملاك اليهم.

نُفذت الإبادة في مرحلة تداعي السلطنة العثمانية حينما حاولت إبادة الشعب الأرمني وتنفيذ مقررات مؤتمر تسالونيكي عام 1910 بتحريض من حزب “الاتحاد والترقي” استنادا الى فكره العنصري المرتكز على مبدأ التتريك أو التطهير العرقي أو الديني بذريعة توحيد الشعوب الطورانية، واحتل الأتراك بقايا مملكة كيليكيا ولواء الاسكندرون الواقعة ضمن الأرض التاريخية السورية والتي كان يسكنها عدد كبير من الأرمن.

مئة سنة والأزمة مستمرة، وبدل أن ترتقي شعوب المنطقة الى مرحلة قبول الآخر، والاعتراف بالتنوع والتعدد، بعد مرحلة من عروبة حضارية، وعقيدة بعثية، وفكر قومي سوري وشيوعي واشتراكي، وتيارات علمانية ويسارية، وأحزاب تشبّهت بالغرب، ها نحن نعود مئة سنة الى الوراء. واذا كنا ننتقد اسرائيل الدولة العنصرية التي قامت في المنطقة بغير وجه حق، فإن دولاً عربية باتت تشبهها، وتسير على خطاها، وصارت جماعات وتنظيمات تمعن في ضرب وانتهاك كل المواثيق والقوانين الدولية، وتدوس القيم الدينية والمجتمعية، وتلغي كل تنوع وغنى في هذا العالم.

تركيا تطورت في الصناعات العسكرية وفي السياحة، لكنها لم تعترف بالمجازر في حق الارمن، ولا تزال تحاصر البطريرك المسكوني، ولا قدرة للكنيسة الارثوذكسية فيها على التنفس بحرية. والعراق يعيش كل أنواع الصراعات العرقية، بين عرب وكرد وفرس، وسنّة وشيعة، ومعها يُقتل الايزيديون في آخر معاقلهم، ويهجّر الكلدان والسريان من موطنهم الاصلي. وفي مصر يعامل الاقباط كأنهم وافدون الى البلاد. وفي سوريا يحتدم الصراع المذهبي وقد ذهب ضحيته أمس ستة لبنانيين أبرياء.

لعل الكلام لا يفيد في ذروة الصراع، لكن الحقيقة المرعبة التي تمثل أمامنا تكمن في ذكرى مرور مئة سنة على المجازر في حق الارمن من دون إمكان استرجاع أي من حقوقهم. فهل تؤسس شعوب المنطقة لواقع مرير سيئ يمتد مئات السنين، فيمحو كل حضارة تراكمت على مر الزمن، ولا يبقي في ذاكرة العالم الا المجازر والتهجير وكل صنوف التخلف؟!