Site icon IMLebanon

101 عام من النضال… الأرمن: لا يضيع حقّ وراءَه مطالب

في 24 نيسان من كل سنة، يحيي لبنان وأرمينيا والعالم ذكرى إحدى أفظع المجازر التي عرفها التاريخ، مجزرة أَبادت نحو مليون ونصف المليون أرمني، لكنّها لم تستطع محوَ ذاكرة من بقوا على قيد الحياة، أو الحدَّ من إصرارهم على استعادة هويتهم وأرضهم وحقّهم. مئة وعام مرّت، زاد خلالها تجذّر الأرمن بقضيتهم، وتضاعفَ إيمانهم بأنّه لا يضيع حقّ وراءه مطالب.

الإبادة الأرمنية مدوّنة في عمق الذاكرة الجماعية للشعب الأرمني، على أن تبقى منبّهاً على مرّ السنين، ولبنان بدوره، عاش جزءاً من المعاناة التي أصابت الشعب الأرمني، والشاهد الأكبر على ذلك هو ساحة الشهداء في وسط بيروت وحصار جبل لبنان وتجويعه، لكنّ الألم لم يترك الأثر نفسه لدى اللبنانيين لأنهم لم يُهجّروا من أرضهم كالأرمن.

وفي هذا الإطار، يوضح مدير كاثوليكوسية الأرمن الأرثوذكس خاتشيك دده يان لـ«الجمهورية» أنّ «الإبادة الأرمنية لم تكن تلقائية، بل خُطّط لها على مرّ السنوات، وكان الهدف الأساسي منها التطهير العرقي والقضاء على كل الشعب الأرمني، لأنّ الأتراك كانوا على يقين بأنّه لو بقيَ عشرة من الأرمن على قيد الحياة سيطالبون في يومٍ من الأيام باستعادة أراضيهم».

أمّا عن سبب اختيار يوم 24 نيسان لإحياء هذه الذكرى، علماً أنّ الإبادة امتدّت على مراحل عدة، فيشير دده يان إلى أنّه «في ليلة 24 نيسان من عام 1915 اقتاد الأتراك نخبة الشعب الأرمني، أي نحو 600 شخص، إلى اسطنبول وأعدموهم في ساحات المدينة، واعتبَر الأرمن أنّ لهذا التاريخ رمزية خاصة».

ويُرجع دده يان الفضل في حماية الهوية الأرمنية إلى «الكنيسة التي كان لها دور في الحفاظ على التراث واللغة والثقافة والتوعية، إضافة الى رعاية الشعب والإبقاء على تماسكه وتعلّقه بالقيَم واللغة القومية، التي تُعتبر وسيلةً أيضاً للتعبير عن الاحتجاج الأرمني على عملية الإبادة ومطالبة العالم وتركيا تحديداً بإحقاق العدل».

الدول تعترف

الأورغواي، قبرص، روسيا، كندا، لبنان، بلجيكا، فرنسا، اليونان، الفاتيكان، إيطاليا، سويسرا، الأرجنتين، سلوفاكيا، هولندا، فنزويلا، بولندا، ليتوانيا، تشيلي، السويد، وبوليفيا، إضافةً إلى 43 ولاية أميركية، وإقليمي الباسك وكتالونيا في إسبانيا، إقليم القرم المنضمّ حديثاً إلى روسيا، نيوساوث ويلز وجنوب أوستراليا، وكيبيك في كندا، كلّها اعترفَت بالإبادة، ناهيك عن الأمم المتحدة، البرلمان الأوروبي، ومجلس أوروبا، فيما تنفي تركيا حتى اليوم هذا الواقع، معتبرةً أنّ سبب وفاة الأرمن يعود لظروف الحرب والتهجير.

في هذا السياق، يعتبر دده يان أنّ «الأتراك لا يعترفون بالإبادة لأنّ ذلك سيؤكّد أنّهم كوَّنوا جمهوريتهم على المجازر، خصوصاً أنّهم يعلمون بأنّ الاعتراف لن يكون كافياً بل سيُضطرّون للتعويض»، مؤكّداً أنّ «الأرمن شعب مناضل، لا ينسى ما حصل وينقله من جيل الى آخر، والدليل أنّ الأجيال التي لم تُعايش المجازر ولم تزُر أرمينيا أبداً مندفعة أكثر من الأجيال السابقة، ذلك لأنّها تشهد على ما يزال الأتراك يفعلونه بالأرمن، على غرار ما حصَل في كاراباخ أخيراً وفي حلب وكسب، وبدأت تلمس الواقع التي كانت تسمع وتقرأ عنه في الكتب، وتتأكّد من أنّ السياسة التركية لم تتغيَّر على مرّ السنين، والدليل أنّه في السنة الماضية شاركَ أكثر من 60 ألف أرمني في المسيرة التي نُظّمت في ذكرى الإبادة».

نضال لإحقاق العدالة

إذاً بقيت الإبادة الجماعية العنصرية التي ارتكبَها الأتراك منذ 101 عام ضد الشعب الأرمني من دون عقاب، إلّا أنّ الأرمن ما زالوا يناضلون من أجل إحقاق العدالة، وبدأوا يترجمون نضالهم بالأفعال، حيث رفعوا دعوى لدى المحكمة الدستورية التركية لاسترجاع أرض الكاثوليكوسية ومركزها في مدينة «سيس»، التي تُعرف بـ«كوزات» حالياً، وفُتحت الدعوى في 27-4-2016، وفي حال عدم تجاوب المحكمة، ستُرفع دعوى لدى المحكمة الدولية لحقوق الإنسان، مع الإشارة إلى أنه يترتّب على هكذا جريمة في القانون الدولي عقاب التعويض، ولا يعني الأرمن بذلك التعويض المالي، بل إعادة الأراضي المحتلّة وكلّ الأملاك والمؤسسات الدينية والثقافية والأراضي الزراعية والأملاك الشخصية والجماعية.

«الاضطهاد التركي مستمر»

بدوره، يقول مسؤول مكتب الإعلام في حزب «الطاشناق» هاكوب هاواتيان لـ«الجمهورية»، «إنّنا ما زلنا بعد مئة وعام مستمرّين بنفس المطالب والقوّة، ومعظم الدول اعترفت بالإبادة، وبعض الدول تضامنَت في قضية التعويضات، التي تُعتبَر مطلبنا الأساسي، فالأراضي المحتلة هي أراضينا، وأجدادنا هم من اضطُهِدوا وهُجّروا»، موضحاً أنه في المقابل «لا يزال الأتراك ينكرون الحقيقة، بل إنّهم مستمرّون في اضطهاداتهم ولا سيّما في كاراباخ حيث يوجد غطاء تركي كبير، وتخطيط لِما ترتكبه أذربيجان في حقّ الأرمن، معتمدةً النهج نفسَه وأساليب الإبادة والمذابح وانتهاك معايير الإنسانية».

ويَعتبر هاواتيان أنّ «معظم الانتهاكات التي تحصل في المنطقة هي تحت رعاية الأتراك، والمجتمع الدولي اعترفَ بالإبادة الأرمنية بعدما ذاقَ مرّ الكأس الذي ذقناه منهم».

وعن إحياء الذكرى هذا العام، يوضح هاواتيان «أنّنا بدأناه منذ نحو أسبوع، فقِسم الشباب ومصلحة طلّاب حزب «الطاشناق» في الجامعات كافّة يحيي الذكرى، كما أنّ الجمعيات الثقافية تنظّم برامج من وحي المناسبة، أمّا اليوم فسيُفتتح عند الساعة الثانية بعد الظهر نصبٌ تذكاري لهذه الذكرى برعاية رؤساء الطوائف الأرمنية، وعند الساعة الخامسة والنصف ستُنظّم مظاهرة احتجاجية مطلبية شبابية أمام السفارة التركية للمطالبة بالاعتراف بالإبادة أوّلاً، وبإعطائنا حقوقَنا ثانياً، وأخيراً لوقفِها مشاركة أذربيجان ودعمها جرائمها ضد كاراباخ».

ويضيف: «أمّا الأحد فسيُقام قدّاس إلهي يترأسه كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكا آرام الأول لراحة نفس المليون ونصف المليون شهيد، عند العاشرة والنصف صباحاً في كاثوليكوسية الأرمن الأرثوذكس في أنطلياس، وستضع الشخصيات الدينية والسياسية والحزبية أكاليل أمام النصب التذكاري لشهداء الإبادة، ثمّ سيكون هناك تجمّع شعبي في ساحة الشهداء عند الساعة السابعة والنصف مساءً بتنظيمٍ من الأحزاب الأرمنية الثلاثة، تلقي خلاله كلماتها والوثيقة المطالبة بالاعتراف بالإبادة، واستعادة حقوق الأرمن ووقف دعم أذربيجان في حربها ضدهم».

ويلفت هاواتيان إلى أنّ «اختيار موقع ساحة الشهداء لإحياء الذكرى لم يأتِ صدفةً، وإنّما لِما لهذا الموقع من رمزية، ولتذكير اللبنانيين بأنّهم عانوا بدورهم من ظلم الأتراك منذ مئة عام، وعاشوا مآسيَ مشابهة لِما عاشه الأرمن، وإنْ كانت مصالحهم تقضي بإبرام اتفاقات معيّنة مع الأتراك، إنّما لا يجب نسيان التاريخ».

قضية الأرمن أضحت قضية حياة أو موت، فهُم لن يرضخوا لواقع الظلم الذي فُرض عليهم، ليثبتوا لتركيا وللعالم، أنّهم شعب مناضل، لا يضيع له حقّ، يتحلّى بنعمة الغفران تجاه من يستحقّها فقط.

وإن سأل البعض عن سبب مطالبة الأرمن تركيا بهذه الأمور بعد مئة عام، علماً أنّ السلطنة العثمانية هي من ارتكبَت المجازر و«لم يبق منها مين يخبّر»، إلّا أنّ الأرمن يعتبرون أنّ الدولة التركية الحالية هي الوريثة الشرعية ومسؤولة عن أفعال الدولة العثمانية لأنّها واصَلت على مرّ السنوات عمليات هدم المعالم الأثرية والدينية الأرمنية، وأقرَّت قوانين تأميم كلّ المؤسسات والأملاك التابعة للأوقاف والأشخاص، والأهمّ مِن ذلك أنّها ما زالت حتى اليوم تُنكر جريمة شهدَ لها التاريخ، في وقائع ما زالت حتى اليوم توجع الأرمن، وإن لم يعيشوها بأنفسهم.