لم يؤتَ في اللقاء التشاوري على القانون الجديد للانتخاب ما خلا الإشادة به. مع أن الحوار المغلف هناك بالتشاور قرأ ورقة الرئيس ووافق عليها بتعديلات طفيفة، إلا أن قانون الانتخاب وحده في الصدارة: انتخابات أم لا انتخابات؟
اللقاء التشاوري في قصر بعبدا الخميس يتيم. لا جلسة ثانية، ولا استكمال له على غرار جولات طاولة الحوار الوطني ما بين عامي 2006 و2012. لم يأتِ بالضرورة لحجب غبار جلسة إقرار قانون الانتخاب في 16 حزيران، وبالتحديد تمديد ولاية البرلمان الحالي 11 شهراً، ولا فتح الباب على لقاءات دورية مماثلة يختلط فيها موقع الرئاسة بموقعي السلطتين الاشتراعية والإجرائية.
لم يعدُ الاجتماع كونه لقاءً فحسب، كأنه يمهد لحقبة جديدة ليست كذلك. ما قاله رئيس المجلس نبيه بري لرئيس الجمهورية ميشال عون في اللقاء: بعد كل ما مررتُ فيه أنا على طاولات الحوار، لا بأس بما فعلت. الحوار يُمرِض.
عند حدود ورقة العمل تلك توقفت مفاعيل اللقاء التشاوري. بحسب برّي، لم يؤتَ على ذكر القانون الجديد للانتخاب «بكلمة أو نصف كلمة»، ما خلا إشادة عابرة بأنها المرة الأولى لـ 80 عاماً خلت ينتقل نظام الاقتراع في قوانين الانتخاب اللبنانية من التصويت الأكثري الى التصويت النسبي. مع ذلك يُنظر الى القانون الجديد على أنه إنجاز في ذاته، استغرق الأشهر الثمانية من السنة الأولى لولاية رئيس الجمهورية بعدما طال السجال فيه والخلافات المتعمدة منذ عام 2012 بلا جدوى.
ثمة ما حدث في 16 حزيران يوازي إقرار القانون أهمية، هو تمديد ولاية المجلس 11 شهراً ــ كي لا يقال سنة بالتمام والكمال ــ وقد اقترن بمعطيات ذات دلالة أخفاها «الابتهاج» بصدور قانون جديد للانتخاب للمرة الأولى منذ عام 2000 ــ ما دام قانون 2008 منسوخاً عن قانون 1960 ــ وبأيدي اللبنانيين وحدهم للمرة الأولى أيضاً منذ عام 1960:
أولها، أن رئيس الجمهورية رفض الخوض في أي تمديد للبرلمان يتجاوز ثلاثة أو أربعة أشهر في أحسن الأحوال، على أن تجرى الانتخابات ــ أياً يكن القانون ــ في تشرين الأول المقبل. تمسك بهذا الموقف بصلابة حينما وجد التمديد الطويل الأمد موازياً للقانون النافذ المنبوذ.
ثانيها، مذ بدأ الانخراط جدياً في مسودة القانون مع مطلع السنة الحالية، بدا أن التصعيد والشروط المتبادلة بين الأفرقاء، كما إيصاد أبواب التفاوض يوماً وإعادة فتحها في يوم آخر، رمت إلى مناورة تواطأ فيها الأفرقاء جميعاً تقريباً، بغية استنزاف ولاية المجلس حتى اليوم الأخير. راح الجدل الداخلي يدور حول المفاضلة بين التفاهم على قانون جديد للانتخاب أو العودة الى أحكام قانون 2008، كأن المعركة السياسية دائرة في هذا المعترك فحسب، وأن الهدف المباشر هو إنهاء المفاعيل القانونية للقانون النافذ بإبداله بآخر. كان المطلوب كذلك تعمّد إهمال جملة تفاهمات مسبقة في كل اتجاه تقضي بإمرار الوقت بغية الوصول الى تمديد طويل للولاية، لا الى انتخابات نيابية وشيكة.
ثالثها، ليس سراً أن اتفاق الرئيس سعد الحريري مع النائب سليمان فرنجية في تشرين الثاني 2015، ثم انتقاله في منتصف السنة التالية الى تفاوض مماثل مع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تمحور في أحد جوانب صفقتهما على بند مشترك وافق عليه فرنجية، ثم من بعده باسيل، وأصر عليه الحريري كجزء لا يتجزأ من الاتفاق، هو تمديد ولاية مجلس النواب سنة كاملة، أو في أفضل الأحوال سنة ونصف سنة. قال الحريري إنه يحتاج إليه مقدار حاجته الى إعادة التقاط أنفاسه المالية. ما نُسب إليه في اجتماع باريس ــ1 مع نائب زغرتا أنه يحتاج الى مليار دولار كل سنة كي يتمكن من النهوض. شرط التمديد كان أيضاً جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق ــ المتعدد البنود ــ على ترشيح الحريري فرنجية للرئاسة، ثم في ما بعد ترشيحه عون. ما حصل في البرلمان في 16 حزيران أفصح عن التزام كامل لذلك البند في الاتفاق بين فريقَي إبرامه.
رابعها، ليس من باب المفارقة ترك مدة التمديد الى الساعات القليلة التي سبقت جلسة مجلس الوزراء في 14 حزيران، كي يبتّه رئيسا الجمهورية والحكومة وحدهما، رغم أن فريق التفاوض أنجز المسودة قبل يومين، إلا أنه ترك الفقرة تلك دونما الخوض فيها، علماً بأن التفاوض الفعلي لم يجر تماماً على مشروع القانون، وقد أقرت اللجان النيابية في وقت سابق أكثر من ثلثيه، بل اكتفى بالمادة الثانية بالذات المرتبطة بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. لم يعنِ حسم مدة التمديد بين الرئيسين سوى العودة بهما الى مصدر اتفاق باريس ــ2، كي يتبين في الحصيلة أن قانون الانتخاب كان الوسيلة والتمديد هو الهدف، لا العكس، خلافاً لكل ما قيل قبلاً عن تمديد تقني عابر لإمرار وقت التحضير للانتخابات النيابية، بدا أن من غير الممكن توقع إقرار القانون ومشاركة الأحزاب جميعاً في التصويت عليه، على نحو مشابه في الحكومة كما في المجلس، ما لم يقترن بالمدة المطلوبة لتأجيل الانتخابات. ما إن وقع التمديد، انبرى من بين واضعيه مَن ينادي بتعديل القانون.
خامسها، أن العهد كان في حاجة الى أن يوافق على تمديد الولاية سنة لسببين متلازمين: أولهما، التزامه اتفاق باريس ــ2، ثانيهما، إنقاذ سمعته من السقوط لو لم يسارع الى ربط إقرار القانون ــ وإن بواجهة النسبية ــ بتمديد طويل الأمد هو عمر ربع ولاية للمجلس. كان سقوطه حتماً لو تمكن مجلس النواب في 13 نيسان الفائت من التصويت على تمديد لسنة ــ وقد توافرت له الغالبية النيابية الكافية ــ أو عمد الى تكرار سابقة 31 أيار 2013 حينما أقره في اليوم الأخير من العقد العادي الأول وحال دون تمكين الرئيس السابق من أي إجراء مضاد.
واقع الأمر أن أحداً لا يسعه أن يغفل حصيلة ما أضحى عليه يوم 16 حزيران: ــ1 سدد رئيس الجمهورية جزءاً من حساب اتفاق باريس ــ2 دونما الإساءة الى العهد، أو التسبب بتركه يهوي.