لا يزال لبنان يشعر في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الوزير الشهيد باسل فليحان، بفداحة خسارته شاباً وسياسياً واقتصادياً بارعاً في ميدانه، ناصعاً في وطنيته وعنيداً في آماله، ومن القلّة التي تخطّط لبناء مستقبل وطنها لا لبناء مستقبلها فيه، وسيبقى هذا الشعور ملازماً لكل لبناني لعقود طويلة مقبلة.
لبناني ناجح قرّر خوض غمار الخدمة العامة رغم إدراكه المسبق بالمخاطر الناجمة عن دخول المعترك السياسي، غير أن عناده وإيمانه بوطنه كسرا حاجز التردد الذي راوده قبل أن يقرر الاستقالة من منصبه في البنك الدولي والعودة إلى وطنه الأم.
لكن ماذا عسى لبنان الذي يفتقد نموذج باسل فليحان أن يقول له في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاده؟ بكل بساطة البلد ليس ماشياً كما كان يردد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان فليحان رفيق دربه، النمو تراجع من مستويات قياسية حققتها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري في العام 2009 بلغت حوالى 12%، لتصل إلى ما دون 1% في العام الماضي مع توقعات بأن تكون سلبية للعام الحالي.
هل أن الطريق التي قرر في العام 2005 سلوكها برفقة الرئيس الشهيد ومشاركته في مؤتمر بريستول المعارض للوصاية والاحتلال السوري آنذاك، قد أوصلته إلى الهدف المنشود بالحرية والسيادة والاستقلال؟ كلا، لقد سقطت من بعده على الطريق نفسها التي اختارها دماء عزيزة غالية يبدو أنها لم تكن كافية لاستكمال مسيرة التحرّر من الوصاية.
غير أن الأمر الوحيد الذي يبدو أنه يسير على الطريق الصحيح، هو المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي قطعت منتصف الطريق أمام الوصول إلى كشف حقيقة من دبّر وخطّط وأمر ونفّذ جريمة اغتيال الشهيدين ورفاقهما الأبرار، ولعل هذه الحقيقة هي الغاية الوحيدة التي سترضي جسد الشهيد فليحان في مرقده وروحه الطاهرة في عليائها.
أدرك الرئيس الشهيد مبكراً أن باسل فليحان يشكّل نموذجاً شاباً يمكن الاتكال عليه في رسم الخطط الاقتصادية والمؤتمرات الدولية لدعم لبنان إضافة إلى وضع خرائط النمو الاقتصادي التي يحتاج اليها اللبنانيون في بناء وطنهم بعد الحرب، وعندما قرر ضمّه إلى لوائحه الانتخابية في بيروت في العام 2000 ومن ثم تعيينه وزيراً للاقتصاد الوطني في حكومته في العام 2003، كان يتطلع إلى المضي معه في تطبيق نتائج القرارات التي صدرت عن مؤتمري باريس 1 و2، غير أن الحقد الأعمى والرغبة الجامحة في منع وقوف لبنان على رجليه، لإبقائه «محافظة» خاضعة للوصاية السورية، كانت لهما بالمرصاد في 14 شباط 2005.
سقط الرئيس الحريري شهيداً، وقاوم الوزير فليحان شهرين و4 أيام ليسقط بدوره متأثراً بالحروق التي أتت على كامل أنحاء جسده نتيجة التفجير الحاقد الذي استهدفهما، فمنعت أعضاءه الحيوية من ممارسة دورها في إبقائه حياً، كما منعه التسلّط والهيمنة والإجرام الحاقد من متابعة دوره في رسم خارطة نهوض لبنان اقتصادياً.
أخذ الشهيد باسل فليحان على عاتقه ومن خلال دوره في وزارة الاقتصاد الوطني، مهمة إنجاح المشروع الاقتصادي للرئيس الشهيد رفيق الحريري لرفع مستوى الحياة في وطنه، وتحرره من كل الحسابات الشخصية، وساهمت شخصيته المنفتحة والمحببة في جعله الأقرب إلى إنجاح هذا المشروع. كان يؤمن التواصل مع المؤسسات الاقتصادية الدولية، لمتابعة آخر الدراسات حول تحسين الاقتصاد وتنميته وبحكم علاقاته كان يعلم دائماً الأوضاع والمخاطر المحيطة بلبنان، لكنه مع ذلك قرر المضي على المسار.
عرف الشهيد بجدارته الاقتصادية ورؤيته المنفتحة المتطورة نظراً للخبرة التي اكتسبها من صندوق النقد الدولي خلال عمله هناك، وهي الخبرة التي لفتت الرئيس فؤاد السنيورة الذي سارع إلى ضمه إلى فريق الخبراء الاقتصاديين الذين عاونوه إبان توليه وزارة المالية، ومن أبرز إنجازات باسل أنه مهندس مؤتمر «باريس 2» الذي جرى برعاية الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في باريس في تشرين الثاني 2002، وقامت بموجبه العديد من الدول والهيئات الاقتصادية الدولية بمنح لبنان قروضاً ومساعدات بقيمة 4.6 مليارات دولار.