IMLebanon

13 عاماً بلا اعتداءات إسرائيلية

 

في مثل هذه الأيام من عام 2006، كانت القيادة العسكرية في تل أبيب، وتبعاً لها السياسية، تتخبط وتتنقل بين خياراتها العسكرية دون توقف. في حينه، تلمّست إسرائيل محدودية قدرة سلاح الجو و«النيران عن بُعد»، مهما عظمت، على تحقيق الأهداف، الأمر الذي أجبرها على وضع خيارها البري على طاولة القرار.

وعلى غرار خيارات سلاح الجو، تخبطت إسرائيل أكثر مع تفعيل الخيارات البرية والتوغل داخل الأرض اللبنانية. وبدلاً من الانتصار على حزب الله، وهي المهمة التي أوكلت إلى القوات، تحولت المهمة إلى مهمة «إنقاذ بطولية» لسحب الجرحى وجثث القتلى إلى الخطوط الخلفية، الأمر الذي منع عن حزب الله أسر أي جندي، حياً كان أو ميتاً.

وكما يرد في المؤلفات العبرية لما بعد الحرب، المبنية على شهادات ضباط وجنود وخلاصات لجان التحقيق العسكرية، كانت وحدات النخبة وغيرها، من غولاني وغفعاتي والمظليين وغيرها، تتلقى أوامر بالسيطرة والاحتلال و«تطهير» المدن والقرى من عناصر حزب الله. إلا أن هذه المهمة كانت تتحول لاحقاً بعد الاحتكاك مع حزب الله، إلى مهمة إنقاذ، بدل أن تكون مهمة انتصار.

وإن كانت هذه حال الحرب الماضية، وإحدى السمات التي التصقت بذكراها، إلا أن المفارقة تكمن في كونها إلى الآن، محل تساؤل وأخذ ورد وتشكيك في إسرائيل، رغم مرور 13 عاماً على الحرب. فهل يتكرر الفشل في الحرب المقبلة؟ وهل تتكرر في أعقابه «مهمات الإنقاذ البطولية» نفسها؟

الإجابة عن السؤال قد تكون «لا» كبيرة جداً. إذ لا يمكن إسرائيل أن تسمح لنفسها بأن تكرر نتائج الحرب الماضية، وتحديداً النتيجة المخزية للقتال البري في مواجهة حزب الله.

لكن في الموازاة، تبرز تساؤلات تغذيها اعترافات وشهادات كبار الضباط الإسرائيليين بشأن جاهزية إسرائيل للقتال البري. فهل نجحت بعد سنوات في أن توصل نفسها إلى الجاهزية المطلوبة لخوض المواجهات المباشرة والتوغلات داخل الأراضي اللبنانية؟ أيضاً الإجابة هنا «لا» كبيرة، ويشهد عليها عدد من الضباط الرفيعي المستوى ممّن عاينوا مهمة الترميم وعاينوا نتائجها. وحسب تعبير رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء عاموس يدلين، فإن «تعذّر القتال البري لدى الجيش الإسرائيلي انعكاس طبيعي للجمهور الإسرائيلي نفسه، فسلاح البر انعكاس لعامة الإسرائيليين الذين لا يريدون تقديم أثمان وخسائر بشرية».

لكن، إن كانت إسرائيل لا تسمح لنفسها بالإخفاق البري مرة ثانية، وفي الوقت نفسه تقرّ بتعذر خياراتها البرية، فهذا يعني بداهة أنها لن تقدم على إدخال قواتها إلى لبنان. وهذا يعني أيضاً، إن نشبت الحرب، الاكتفاء بتفعيل سلاح الجو و«حرب النيران عن بعد».

وهذه الحرب – أيضاً إن نشبت – من دون الخيارات البرية، لن يكون الهدف منها الانتصار على حزب الله، وهو ما يتعذر تحققه من دون الخيار البري. وهي حرب ستتركز على سلاح الجو والنيران عن بعد، والهدف منها التدمير والإيذاء وجبي الثمن.

في الموازاة، ميدان حرب كهذه ومحلها، هما الجبهة الداخلية للجانبين، من دون استثناءات. وهنا للمناسبة، من المفيد استحضار تقديرات قائد الجبهة الداخلية الحالي في الجيش الإسرائيلي، اللواء تامير يدعي، تماماً كما وردت أول من أمس في صحيفة هآرتس:

«منذ عام 2006، طوّر العدو منظومات صاروخية واسعة النطاق قادرة على إطلاق صليات كبيرة ومستمرة باتجاه كل أنحاء إسرائيل. وعلى خلفية هذه القدرات، طوّر العدو مفهوماً يتجاوز التخويف والترهيب ليصل إلى شلّ الجبهة الداخلية لإسرائيل وإجبارها على المكوث المستمر في الملاجئ، وكذلك شلّ المرافئ والمطارات واختراق منظومات إسرائيل لاعتراض الصواريخ».

ويعرض تامير يدعي لتهديد السلاح الدقيق، الوافد الجديد على ميزان القوة لدى حزب الله، فيقول إن «جيوش الإرهاب من حولنا تطور قدرات هجومية دقيقة، وهي تهدف إلى شلّ المراكز الحيوية في كل من الاقتصاد المدني، مثل الكهرباء والمياه، وكذلك في الجبهة العسكرية، مثل مواقع الاستخبارات ووحدات الدفاع الجوي».

أما الاستعداد الإسرائيلي المقابل، فيؤكد يدعي الذي تولى منصبه عام 2017 أن «الجيش الإسرائيلي لم يستعدّ بنحو مناسب، بالرغم من أنّ المتغيرات في التهديد على الجبهة الداخلية معروفة للجميع. ومنذ أن توليت المهمة، عملت على إنجاز تحسينات معينة، لكن قيادة الجبهة الداخلية حتى الآن، لم تحلّ جميع المشاكل، وما زالت الطريق طويلة».

على خلفية كل ذلك، بما يشمل تعذّر الحرب البرية وتعذر القبول بالثمن المرتفع لحروب النيران عن بعد، الحرب نفسها باتت مستبعدة، الأمر الذي يدفع القيادة العسكرية في تل أبيب، كما هو الحال منذ 13 عاما، إلى إلزام القيادة السياسية بالتمسك بأهم قرار يمنع الجبهة الداخلية من تلقي نتائج الحرب المقبلة، وهو منع نشوب هذه الحرب أو التسبب بها.

قد تكون هذه النتيجة قاسية ومحبطة للبعض، ليس في إسرائيل وحسب، بل في خارجها أيضاً. لكن هذه هي الحسابات المنطقية لإمكانات الحرب الإسرائيلية، المثبتة بالدليل الحسي القاطع، لكونها لم تنشب رغم مرور 13 عاماً، كانت مشبعة بالحوافز لدى إسرائيل لخوض الحرب.

والنتيجة المشار إليها ليست محصلة لمقارنة القوة العسكرية والإيذائية بين إسرائيل وحزب الله. إذ إن الميزان يبقى، بلا جدال، في مصلحة الاحتلال. لكن في السياق، تنامي قدرة حزب الله على إلحاق الأذى بإسرائيل، وصل إلى الحد المطلوب كي يمنع إقدامها الفعلي على مباشرة الحرب، وهو امتناع مبني حصراً على الخسائر التي ستتكبدها إسرائيل إن نشبت الحرب، من دون أي علاقة أو ربط، بما سيدفعه لبنان مهما عظم وعلا الثمن المقابل.

لكن هل باتت الحرب منتفية إضافة إلى استبعادها؟ أصل طرح هذا السؤال يشكل إنجازاً لحزب الله في مواجهة إسرائيل، وهو إنجاز مضاعف عندما يكون، وهو كذلك، محل أخذ ورد في إسرائيل نفسها.

واقع المعادلة بين إسرائيل وحزب الله يتميز بالتموضع الهجومي للعدو مقابل التموضع الدفاعي للمقاومة. ما يعني أن قرار الحرب من ناحية إسرائيل لا يتعلق بحرب «اللاخيار» التي تنطلق إليها تل أبيب، من دون العناية، بطبيعة الحال، بالثمن الذي تقدّر أنها ستدفعه نتيجة هذه الحرب.

في المقلب الثاني، تموضُعُ حزب الله الدفاعي البحت – مع استثناء برز أخيراً ربطاً بتطورات الهجمة الأميركية على محور المقاومة، وإن عاد ليتراجع – من شأنه أيضاً أن «يعين إسرائيل على نفسها»، بأن تستحضر معادلة الجدوى والكلفة لأي خيار متطرف قد يُطرح على طاولة القرار في تل أبيب، على خلفية الموقف الدفاعي في الجانب اللبناني.

هي إذاً 13 عاماً من الامتناع الإسرائيلي عن الاعتداء على لبنان، وهو واحد من أهمّ إنجازات حزب الله في تلك الحرب، وهو إنجاز يفوق الإمكانات في حال استحضار ميزان القدرة بين الجانبين.

إلا أن المفارقة المثيرة للدهشة، تقديم إسرائيل واقع امتناعها عن الاعتداء طوال هذه السنوات على لبنان، على أنه ناتج من ارتداع حزب الله وخشيته منها، في محاولة كلامية لقلب المعادلات. وعلى أيّ حال، لتكن هي الخشية والقلق، بل والارتعاب، لا مُشكلة، إن كان يردع إسرائيل ويمنعها من مباشرة العدوان على لبنان.