نجحت الديبلوماسية اللبنانية بعد أشهر من التفاوض مع الشركاء الأوروبيين في فرض مجموعة أولويات على اتفاقية الشراكة بين لبنان والإتحاد، ففتحت بذلك صفحة جديدة في العلاقات بينهما، ولا سيما في موضوع النزوح السوري، على ما ذكرت أوساط ديبلوماسية مواكبة، إذ تمكّنت من انتزاع موافقة دول الإتحاد على الموقف الذي يُروّج له وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على أنّه الحلّ الوحيد لأزمة النازحين السوريين على أراضيه وهو «العودة الآمنة لهم الى ديارهم». وقد تمّ اعتماد هذا التوافق في نصّ الورقة الجديدة التي ستوقّع في الإجتماع الأول المقبل لمجلس الشراكة.
هدف جديد إذاً سجّلته الديبلوماسية اللبنانية الناشطة في السنوات الأخيرة في المحافل الدولية لتغيير الواقع من أنّ «لبنان يتلقّى عادة المقترحات والحلول لأزماته» الى «اتخاذ لبنان لمواقفه الواضحة والمحقّة واشتراطه بقوة على دول الخارج ما يجده مناسباً له ولمصلحته وشعبه».
وفي الوقت الذي تنعقد فيه قمة دول عدم الإنحياز في فنزويللا، كان يُفترض على لبنان أن يتقدّم بورقة محدّثة الى القمة عن الفقرات المتعلّقة به، وذلك أثناء التفاوض الذي حصل في الأشهر الماضية، غير أنّه، ولسبب من الأسباب، سها عنه القيام بهذا التحديث اللازم، أو أنّ المعنيين بهذا الأمر لم يُتابعوا بتأنّ ما هو مطلوب منهم. علماً أنّ النصّ لم يتمّ تحديثه منذ العام 2013. غير أنّ دوائر وزارة الخارجية، على ما أشارت الأوساط نفسها، تداركت الأمر في الأيام الأخيرة التي سبقت انعقاد القمة يوم الجمعة الفائت، وتمكّنت من التواصل مع رئاسة الحكومة، وأطلعتها على ما جرى من تقصير، فقامت بتحديث النص على وجه السرعة وتزويده لسفير لبنان في فنزويللا الياس لبّس. وقد قام السفير لبّس بمهمة التفاوض بهدف إدراج النص المستحدث في الإجتماع التحضيري لكبار الموظّفين الذي سبق انعقاد القمة، وذلك بالتنسيق والتواصل لساعات متقدّمة من الليل مع الإدارة المركزية في الخارجية.
وأشارت الى أنّه من بين الفقرات التي لم تكن قد حُدّثت بعد، فقرة تنص على «ترحّب القمة بدور رئيس الجمهورية (اللبنانية) في ترؤس جلسات الحوار».
أمّا الفقرات المحدّثة فتؤكّد على المواقف التي ما فتئت وزارة الخارجية والمغتربين على اعتمادها في المحافل الدولية، وأبرزها:
أولاً، دعم لبنان في مواجهة الإرهاب.
ثانياً، تحميل إسرائيل مسؤولية الإنتهاكات الجوية والبريّة والبحرية للأراضي اللبنانية.
ثالثاً، مساندة لبنان في التعامل مع أزمة النازحين السوريين.
رابعاً، التأكيد على صيغة لبنان الفريدة.
وتقول الأوساط الديبلوماسية نفسها بأنّ أهمّ ما تمّ انتزاعه خلال هذه المفاوضات الأخيرة هو الإعتراف والتأييد الدولي لموقف لبنان بأنّ «الحلّ الوحيد المستدام لأزمة النازحين السوريين هو في عودتهم الآمنة الى ديارهم». وقد أكّد على هذا الموقف 107 دول اجتمعت في فنزويللا فضلاً عن دول الإتحاد الأوروبي (وعددها 28 دولة) أي ما مجموعه 135 دولة.
وجرى التشديد في نصّ الإعلان الختامي لقمة دول عدم الإنحياز، على ما أضافت الاوساط، على أنّ النزوح السوري الى لبنان هو مؤقّت وأنّه على النازحين السوريين العودة الآمنة الى بلادهم، وليس العودة الطوعية.
ومن هنا تتساءل الأوساط: أمام هذا الواقع الجديد والمتقدّم لصالح لبنان، هل ستبقى الولايات المتحدة الأميركية تغرّد وحيدة خارج سرب المجتمع الدولي، خصوصاً مع تشديد مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون السكّان واللاجئين والهجرة آن ريتشارد، في موقف أخير لها على أنّه «لا عودة للاجئين السياسيين إلا بحلّ سياسي في سوريا وبعد انتهاء الإقتتال فيها»؟!
لقد تمكّنت الديبلوماسية اللبنانية إذاً بفضل جهودها من انتزاع هذا الموقف المؤيّد للبنان من المجتمع الدولي، عشية انعقاد الإجتماع الرفيع المستوى حول النازحين في نيويورك اليوم الإثنين.