بعد إخفاق المجلس النيابي، وللمرّة الرابعة، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظل إصرار نواب تكتل «التغيير والإصلاح» وحلفائه في قوى الثامن من آذار على «تطيير» النصاب، ومع بدء مهلة عشرة الأيام الأخيرة من الوقت الدستوري المحدّد لانتخاب الرئيس العتيد، جاء لافتاً قرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتحديد 22 من الشهر الجاري موعداً جديداً لانعقاد الجلسة الخامسة لانتخاب الرئيس الجديد، وذلك خلافاً للتوقّعات بأن يصار إلى جعل هذه الجلسات متواصلة لحين التوصّل لانتخاب الرئيس العتيد، كما جاء في الدستور اللبناني، بهدف الضغط على النواب والمرشّحين لإنجاز الاستحقاق في أسرع وقت ممكن، لتفادي حصول شغور في موقع الرئاسة الأولى، الأمر الذي سيترك تردّدات سلبية على الأوضاع الداخلية، لا سيما في ظل الحديث عن أن ما بعد 25 أيار ستصبح الأمور أكثر تعقيداً مع انشغال القوى الدولية والإقليمية بأزمات المنطقة، وذلك على الرغم من بداية الحوار السعودي ـ الإيراني بهدف معالجة بعض القضايا الإقليمية الخلافية، والتي من الممكن أن تطول لأشهر، وربما لسنين، مما سيزيد من المخاوف على لبنان في حال حصول الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، خصوصاً إذا لم تتمكّن الحكومة السلامية من ملء الفراغ ومواجهة الانعكاسات السلبية لهذا الفراغ.
وفي حين تحدّثت معلومات عن أن الرئيس بري قد حدّد 22 من الجاري موعداً للجلسة الخامسة للانتخاب على خلفية سفر رئيس الحكومة تمام سلام في جولة خليجية لاستطلاع الأجواء العربية في ما خص الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لفتت مصادر نيابية في 14 آذار إلى أنه كان على رئيس المجلس النيابي تكثيف عدد الجلسات الانتخابية، لا سيما أننا ضمن الأيام العشرة الأخيرة قبل انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد، مشيرة إلى أن نواب قوى الثامن من آذار، وبشكل خاص المسيحيون منهم، يتحمّلون مسؤولية كبيرة في أخذ البلد إلى الفراغ في حال حصول الشغور في الموقع المسيحي الأول في الدولة، الأمر الذي سيفضح ادعاءاتهم ومطالباتهم بإعادة الحقوق إلى المسيحيين، خصوصاً أن هناك من يعمل على «تطيير» اتفاق الطائف، كما يعمل على التسويق لمشاريع تفتيت البلد من خلال ما يجري طرحه من أفكار عن ضرورة حصول مؤتمر تأسيسي يعيد النظر بالنظام بشكل عام، وهو ما قد يثير ردود فعل وانقسامات واعتراضات تذكّر بمراحل سابقة غير مستقرّة.
وشدّدت المصادر، على أن رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري، وإن أظهر بعض الانفتاح على النائب ميشال عون، فإن هذا الانفتاح لن يكون على حساب حلفاء الرئيس الحريري في قوى 14 آذار، وخصوصاً المسيحيين منهم، بحيث يؤكد بعض المحيطين بالحريري أنه يعبّر في لقاءاته الضيقة، أن الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي ليست بيد المكوّن السنّي بل للحليف المسيحي، ومن يظنّ أن طريق بعبدا تمرّ من «بيت الوسط» فهو مخطئ، لأنها تمرّ أساساً من «معراب»، وتعرّج على بكفيا، ولا تتجاوز المسيحيين المستقلين في قوى 14 آذار.
وفي حين أكدت المصادر النيابية نفسها، أن قوى 14 آذار تدرك أن الموقف المعلن لقوى الثامن من آذار، ولا سيما الرئيس بري و«حزب الله» يختلف تماماً عن الموقف المستتر من موضوع ترشيح عون، بحيث أنهما لا يرغبان في وصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى، أشارت إلى أن تبنّي ترشيحه الخجول، ليس سوى مناورة تندرج في إطار حساباتهما الأكيدة أن قوى 14 آذار بكل مكوّناتها لا يمكن أن تسير به، لذا فإن حظوظه في النجاح تصبح معدومة، مما يؤدي إلى عدم إحراجهما. وأضافت، أن هناك استحالة لأي تسوية بين 14 وعون منفصلاً، معتبرة أن فريقاً كبيراً داخل 14 آذار، وخصوصاً القوات اللبنانية، لا تزال ترى في العماد عون مرشّحاً إيرانياً أكثر منه لبنانياً، وذلك بصرف النظر عن كل التحوّلات التي شهدها خطابه في الأشهر الماضية، وتحديداً منذ تشكيل الحكومة السلامية. وكشفت أن هذا التغيير قد أتى بضوء أخضر من طهران في الدرجة الأولى، وليس كمبادرة وقناعة من قبل عون لتحسين ظروف وصوله إلى قصر بعبدا. واعتبرت أن الحريري نجح حتى الآن في إدارة المعركة الرئاسية بدليل محافظته على وحدة قوى 14 آذار، وبدعمه جعجع كمرشّح أساسي لهذا الفريق، وصان هذا التحالف بتحويل رئيس القوات ناخباً أساسياً، ومعبراً إلزامياً لاختيار الرئيس العتيد.