الحشد الانتخابي السوري يرفع معنويات الحلفاء
«14 آذار» ترتبك: هل عادت سوريا إلى لبنان؟
صدم الحشد الانتخابي السوري الاخير في اليرزة اللبنانيين، فلا حلفاء بشار الاسد توقعوا هذا المشهد، ولا مَن هم في خانة العداء له توقعوا أن تتكرر أمامهم تلك الصورة التي اعتقدوا لسنوات انها ذهبت مع ما يسمّونه «زمن الوصاية» الى الابد.
المشهد يتطلب قراءة متأنية وبلا انفعالات معه أو ضده، فلعل ذلك يؤدي الى عبور حقل علامات الاستفهام الكثيفة التي تزنره، وبالتالي تفكيك كل عناصره والألغاز التي تعتريه.
النظام في سوريا يدير لعبة الحشد بصمت، ويراقب الارتدادات. وأما في الجانب اللبناني فلا وضوح في الرؤية لا لدى حلفاء الاسد ولا لدى أعدائه، ولا تقدير دقيقاً لحجم الحشد السوري على المشهد الداخلي، والمشترك الوحيد بين هؤلاء هو الاعتقاد بوجود «رسالة» أراد الاسد ارسالها الى لبنان ومنه الى سائر العالم، فكأنما رسالة الحشد مكتوبة بحبر سري بدليل أن كل طرف يسقط فيها المضمون الذي يريد ويقرأها بلغته السياسية ويفكك ألغازها بحسب فهمه ومصلحته وهواجسه.
حلفاء الأسد معنوياتهم مرتفعة، يقاربون «الحشد الرسالة» بما يشبه النشوة السياسية، خاصة أن رسالة الحشد تتزامن مع تحقيق نظام الرئيس الاسد إنجازات في الميدان العسكري، كما أنها جاءت بعد أكثر من تسع سنوات على انسحاب الجيش السوري من لبنان، وهو ما أوحى أنها رد عملي على الذين اعتقدوا أن سوريا خرجت سياسياً وعسكرياً من لبنان فانتقلوا إلى الهجوم عليها بتهريب السلاح ومسلحي المجموعات التكفيرية والارهابية لمقاتلة النظام. وبالتالي فإن الرسالة أكّدت للبنانيين ان بشار الاسد ليس حاضرا في لبنان من خلال حلفائه فقط، بل له ذراعه القوي المباشر، وتبعاً لذلك، تخطت الرسالة حدود لبنان لتؤكد لكل اللاعبين المحليين والخارجيين على مسرح انتخابات رئاسة الجمهورية ان بشار الاسد ما زال ناخبا اساسيا فيها، مع ما يعني ذلك من وقائع سياسية جديدة تتدحرج على مجمل الوضع في لبنان، فيوم الحشد في اليرزة كما يراه بعض الحلفاء هو يوم مفصلي، وما بعده ليس كما قبله.
واما اعداء الاسد على ضفة «14 آذار»، فكمن اصيبوا بنوبة استفزاز اسقطت المعنويات أرضا، ولعل الخطأ القاتل الذي ارتكبه هؤلاء تبدى في انقلاب خطابهم نحو السوريين من الاحتضان الانساني للنازحين الى الحقد العنصري ضدهم. ولا ينسى اللبنانيون محطات الاستثمار على النازحين منذ بداية الازمة السورية، حتى كادوا في لحظة ما ان يكفروا الامن العام في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عندما قرر ترحيل 14 سوريـًّا لارتكابهم افعالا جرمية.
لم يهضم هؤلاء صورة الحشد. هم يقاربونه بقلق جدي، ويقرأون فيه مخاطر على الوضع الداخلي، في ظل ما افرزه من حقائق ووقائع ومستجدات تتلخص بما يلي:
– تخشى «14 آذار» أن يعود الاسد لاعباً رئيسياً في لبنان. فكما هو قادر على الحشد في لبنان وعلى ادارة هذا الحشد من دون ضربة كف، كذلك هو قادر على تحريك هذا الحشد كما يريد وفي الوقت الذي يريد… وربما لتحقيق ما يريد.
– الاسد هو وحده الذي يملك ورقة السوريين في لبنان: نازحين وغير نازحين، وكأن المعارضة السورية غير موجودة. وما صدم 14 آذار، هو ان من تعاطى في السنوات الاخيرة مع ملف النازحين السوريين، كورقة جاهزة للاستثمار غب الطلب وعبوة يملك صاعق تفجيرها وتوقيت انفجارها ويحركها ويتحكم فيها كما يشاء، اكتشف في يوم الحشد الانتخابي انه يعيش وهماً كبيراً جعله يخرج عن طوره بخطاب انفعالي عنصري.
– لأن مشهد الحشد في اليرزة كان مزعجا وموجعا، فإن بيان وزارة الداخلية حول النازحين يحاول منع تكرار هذا المشهد عند المعابر الحدودية مع لبنان.
– استنجد فريق «14 آذار» بالسفراء، ورددوا الكثير من المخاوف بحثاً عن جواب على سؤال: هل عاد بشّار الأسد؟ واكثر ما يقلق «14 آذار» هو التعاطي الغربي البارد مع الحشد الانتخابي السوري، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وما إذا كانت تلك البرودة تبحث جديا عن «تكويعة» ما في الموضوع السوري يسلم فيها بالامر الواقع الذي يفرضه الاسد، سواء بالانتخابات الرئاسية في سوريا ام بالحرب على الارهاب.
الإرباك السائد في أوساط «14 آذار» شكّل حافزاً للبعض لطرح فكرة الرد على الحشد بالحشد، فكما انتجت تظاهرة «8 آذار» سنة 2005 حركة «14 آذار»، يمكن ان يستنسخ ذلك بالرد على الحشد الموالي للاسد في لبنان بحشد النازحين المعارضين له، وما نماذج بعض التحركات في طرابلس وعكار إلا محاولة لاحتواء زخم حشد النظام في اليرزة.