على هامش الفراغ الطويل وانتظار نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية بشأن الملف النووي، واحتمال انطلاق اتصالات سعودية – إيرانية، يتلهى الفرقاء في لبنان بمبادرات تقطيع الوقت الضائع.
الرئيس نبيه برّي كان يزمع اطلاق مبادرة رئاسية لكنّه عدَل عنها، وهو يستعيض بمبارزة حول عمل المجلس وتفعيل الحكومة. الرئيس فؤاد السنيورة يلاطف برّي قليلاً في موضوع عقد الجلسات، والنائب وليد جنبلاط يعمل على فتح حوار بين برّي و»المستقبل»، فيما يراقب «حزب الله» كل هذا المشهد، ولا يعنيه منه إلّا المعركة التي يخوضها في سوريا والعراق. إستحقاقات آتية ستفرض نفسها على الجميع، أوّلها الانتخابات النيابية، التي من المفترض أن يتحضَّر الجميع لخوضها وفق قانون الستين، كون الاتفاق على أيّ قانون آخر بات متعذّراً، خصوصاً أنّ النقاش حول القانون الانتخابي سبق وتعثَّر بطريقة أوحَت بأنّ قانون الستين سيكون القانون الأخير في الجمهورية الثانية، قبل أن يدخل الجميع مغامرةَ تغيير الطائف والنظام، إذا ما فرضت القوة القاهرة عدمَ التوصل الى اتفاق بين المكوّنات اللبنانية على القبول بالطائف. تبدو خريطة المواقف من الانتخابات النيابية أقرب الى مناخ المناورة. لا أحد يعتقد بإمكان إجراء انتخابات نيابية، لظروف أمنيّة وغير أمنيّة، ولكن لا أحد يريد تحمّل مسؤولية التمديد للمجلس النيابي، وفوق ذلك هناك فريق يستعدّ للمزايدة على الجميع إذا ما حصل توافق حول التمديد.
يقف «حزب الله» في طليعة الساعين الى التمديد للمجلس النيابي، فإجراء الانتخابات بالنسبة إليه هو مجرّد بروفة مكرّرة لن تؤدّي في أسوأ الأحوال إلّا إلى عودة كتلته النيابية، وكتلة حليفه، برّي، نفسها. فضلاً عن ذلك، فإنّ الحزب بقواه العسكرية واللوجستية، مشغول في سوريا ولن يتورَّط في فتح نقاش حول الانتخابات النيابية أو قانون الانتخاب، لكنّ ذلك لا يعني أنه لن يُحمِّل مسؤولية التمديد إلى قوى «14 آذار» وتحديداً إلى تيار «المستقبل»، الذي وافق على التمديد السابق هو ومسيحيّو «14 آذار».
يستعدّ تيار «المستقبل» لإعلان موقف مؤيّد لاجراء الانتخابات وفق قانون الستين، أو أيّ قانون آخر يُتَّفق عليه، هذا الموقف جاء بعدما أوعز الرئيس سعد الحريري إلى ماكينة تيار «المستقبل» بالاستعداد للانتخابات كأنها حاصلة غداً. الواضح من خلال موقف التيار أنه لا يريد تحمّل مسؤولية التمديد، ولا يريد تجنيب «حزب الله» هذه المسؤولية التي يُفترض بالحزب هذه المرة دفعَ أكلافها، وإلّا فما عليه سوى الذهاب إلى الانتخابات. الأطراف المسيحيون يتقاسمون لعبة المناورة. العماد ميشال عون سيضغط في اتجاه إجراء الانتخابات، وقد يتبنّى القانون الأرثوذكسي أو ما يشبهه، لكنّه يعرف أنّ هذا التبنّي يقضي على ما تبقى له من آمال ليُنتخب رئيساً للجمهورية. فمَن يُهدِّد اتّفاق الطائف لن يُسمح له لبنانياً أو عربياً أو دولياً بأن يكون رئيس الطائف.
في مواجهة هذا الضغط، استعدَّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع جيّداً وتواصل مع الحريري، واتفقا على الاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية، مهما كلَّف الأمر، وذلك لعدم تحمّل مسؤولية التمديد غير المستساغة شعبياً. هذا يعني أنّ احتمال إجراء الانتخابات في الخريف المقبل بات أمراً وارداً ما لم يطرأ حدثٌ أمني يقلب الاولويات. وضعت قوى «14 آذار» خطّة لمواجهة المزايدة العونيّة، وهي تقضي باستباق قوى «8 آذار» والطلب اليها الاحتكام الى الصناديق، هذا ما سيُحرج «حزب الله» وحليفه، فهل يذهبان في اتجاه إجراء الانتخابات، أم أنّ طبخة التمديد ستكون جماعية، بإشراف قوى «8 آذار» ومباركتها، والنائب وليد جنبلاط.
قد يكون التمديد الثاني، إذا حصل، نواة ليتحوّل مجلس العام 2009، مجلسَ العام 1972، الذي مدَّدت له الحرب حتى العام 1990، فهل ستُمدِّد الحرب الباردة لهذا المجلس الى أن يجبر الجميع على تغيير نظام الطائف؟