تتّجه الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار نحو زيارة قادة الأجهزة الأمنية بهدف طلب زيادة الحماية لمبناها في منطقة الأشرفية. الأجهزة الأمنية نفسها «حذّرت أعضاء الأمانة ـ بناءً على معلومات ـ من خطر استهدافهم على يد تنظيم داعش»، حسب قول إحدى الشخصيات الآذارية
في الأشرفية، لا وجود لـ«داعش»، وإنما لخطره الذي يهدّد الحياة التي تُحبّها هذه المنطقة. وسواء صحّت رواية تخطيط هذا التنظيم لاستهداف شخصيات في فريق 14 آذار أو لا، فإن انتشارها بين الآذاريين يشي بأن سلاح حزب الله لم يعد وحده ما يملأ أعضاء الأمانة وقتهم في مناقشة أخطاره على مشروعهم.
لا يعني ذلك أن «الشباب» قد «حلّوا» عن الحزب أخيراً. بل هم حاضرون دائماً لإخراج نظريات جاهزة، وآخرها أن «داعش» الذي يهدم ويحرق ويقطع الرؤوس سبب وجوده «التطرّف الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان»! يخيف «داعش» قوى 14 آذار. قلائل في صفوف هذا الفريق من يعتبرون أن هذا التنظيم سيُخلّصهم من حزب الله. لذلك، في خطابها الرسمي، تساوي شخصيات هذا الفريق بين حزب الله و«داعش». الأول «يهدّد مشروعنا السياسي»، والثاني «يهدم التراث، ويأكل العقول والحدود، ويرفض كل الأنظمة والتشريعات»، والأهم أنه «يفرض رؤيته في السياسة والمجتمع، ولا خيار أمامك إلا القبول».
وإن كان عنوان الاشتباك الذي خاضه هذا الفريق مع حزب الله منذ عام 2005 حتى اليوم هو «مشروع العبور إلى الدولة»، فعنوان معركة 14 آذار مع داعش هو «حماية مشروع العبور إلى الدولة». تخلط 14 آذار الأمور بعضها ببعض. لا تستطيع الفصل بين الحزب والتنظيم. صحيح أن «ما حصل في عرسال أخيراً، لجهة قتل مواطن على يد داعش خطير، ويُعّد إشارة سلبية»، لكن «الأخطر هو في طبيعة هذا التنظيم المطّاط الذي يستطيع أن ينضوي تحت لوائه أي أحد، ويمكن لأي جهة أن ترتكب جرائم باسمه».
آخر نظريات 14 آذار: التطرّف الشيعي منإيران إلى لبنان سببوجود «داعش»
هما إذاً «خطران متماثلان عند قوى الرابع عشر من آذار، «داعش» يهدّد البلد وحزب الله يهدد بنية الدولة» كما تقول مصادرها.
تناقش المكونات الآذارية موضوع داعش من «زاوية رفض الخطر الذي يمثله هذا التنظيم البعيد كل البعد عن سلوكنا»، بحسب المصادر. طبعاً، وككل اللبنانيين، «ليست داعش بالنسبة إلى 14 آذار قضية محلية، إنما إقليمية». لا يتحدّث أحد من شخصياتها عن الموضوع دون ربطه بالعراق وسوريا. لا يزال «ثوار الأرز» مقتنعين بأن «داعش هي صنيعة المخابرات السورية، التي وجدت لنفسها في ما بعد دوراً وقوة أغرتها للانفصال وتكوين حالة خاصة بدأت تتغلغل في المجتمعات العربية، بدعم من أجهزة مخابرات عربية وغير عربية، تستثمر وجودها في الميدان المشتعل». يرون أن «ذلك، نتيجة طبيعية لاحتكار السلطة على طريقة نوري المالكي في العراق، وبشار الأسد في سوريا، وميشال عون في لبنان».
لا شك في أن الصورة التي يظهر بها داعش مقلقة بالنسبة إلى قوى 14 آذار. أحدٌ منهم لا يتصوّر أن يضطر في يوم ليس ببعيد أن يُقدّم السمع والطاعة والبيعة لأمير المؤمنين مثلاً. لا أحد فيهم يهضم أن يتلقى تعليماته من أبو بكر البغدادي مثلاً! «هيئته» على منبر المسجد الكبير في الموصل واقع يرفضون التعايش معه. الآذاريون مقتنعون أو يقنعون أنفسهم بأن «التمدّد الداعشي يقف عند الحدود اللبنانية _ السورية»، أو في أسوأ الأحوال «عند حواجز طرابلس». ولا مشكلة إن «اقتطعنا «شقفة» من السيادة وتنازلنا عنها لداعش في سبيل حماية ثقافة الحياة في باقي المناطق اللبنانية». هذا حلّ يروق بعضَ الشخصيات الآذارية في معرض تسخيفها ظاهرة داعش أمام «هول حزب الله». أما الآذاريون الجادون في مقاربتهم للغزو الداعشي، فيراهنون بداية على «عدم وجود بيئة حاضنة حقيقية لهذه الظاهرة، فطبيعة البيئة اللبنانية لا تسمح بتمدد داعش، إلا في ما ندر من مناطق الريف». فكما هو معروف أن «التعمّق في شد الخناق المعيشي على الناس سيدفعهم إلى التفتيش عن مخرج يمكن أن يجدوه في الجهاد مع تنظيمات مثل داعش». لكن «يبقى تعزيز الاعتدال السني في لبنان هو الأساس»، بحسب أحد أعضاء الأمانة العامة في فريق الرابع عشر من آذار. يقول إن «وقوف الاعتدال السني في وجه التطرف السني يلغي الأخير، أما وقوف التطرف الشيعي في وجه التطرف السني فيعمّق الأزمة». واعتبر أن «على حزب الله أن يمسك لسانه ويكف عن العبث في بعض المواقع السنية، لأن ذلك يفتح الباب أمام داعش عند عدد لا بأس به من اللبنانيين، وتحديداً الذين ينظرون إلى الحزب كعدو وليس مجرد خصم». حتى الآن «الوضع لا يزال تحت السيطرة، ما دام «داعش» لم يستخدم بعد أي أدبيات سياسية في ما خصّ الوضع اللبناني، لا في ما يتعلّق بالنظام ولا بالتركيبة إلا من خلال عناوين عريضة، ما يعني أن الحرب معه لن تكون مباشرة».
لعلّ أكثر المتضرّرين من «داعش» في فريق الرابع عشر من آذار هو تيار المستقبل. يشكّل «داعش» بالنسبة إليه «تهديداً وجودياً». يتمدّد هذا التنظيم بين حدّين: عدم تقبّل بيئة «المستقبل» لشبه الانفتاح الذي أظهره التيار تجاه حزب الله، وتحديداً في حكومة الرئيس تمّام سلام؛ وعدم قدرة الحزب على حمل أي سقف خطاب عال يصدر عن شخصية «مستقبلية»، وإن كان الهدف شدّ العصب السني بالاعتدال ضد التطرف. هكذا تختصر مصادر تيار المستقبل مشكلتها مع الأحداث. تضيف المصادر إن «كان ظهور الشيخ أحمد الأسير في عبرا شكّل ضربة للرأس لنا، فإن هذا التوسّع الداعشي يمكن أن يكون ضربة قاتلة لحراكنا وخطابنا على الأقل في المدى المنظور». تقول إن «الإفطارات المركزية التي دعا إليها التيار في مختلف المناطق اللبنانية الأسبوع المقبل، تعتبر رسالة منّا ترفض التطرف ولا تخاف الإرهاب، وليس كما فسرها البعض بأنها كيدية ضد حزب الله الذي اضطر إلى إلغاء كل الدعوات».
لن يُصدّق أحد بأن رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع يُشيد سرّاً بجهود الحكومة التي يشارك فيها حزب الله، ضد الإرهاب. حتّى إنه ـــ على ذمّة بعض من زاروه أخيراً ـــ «عبّر بشكل أثار الاستغراب عن تمنّيه بأن لا تلجأ أحزاب وتيارات 14 آذار، في حال وقوع أحداث أمنية إرهابية إلى الحديث عن تورّط الحزب في سوريا قبل الحديث عن خطر داعش على لبنان». قال إن «الخطة الأمنية نجحت من خلال المظلة الوطنية، وتضييق الحدود البرية على الإرهابيين».
أما علناً، فلا يريد الآذاريون الاعتراف بأن «حزب الله حمى ظهورهم». تقول المصادر: «لا يحلم أحد بأن نُطالب الحزب بأن يدافع عنا، ولن نقبل بالمهمّة التي تبرّع بها». تعود المصادر في حديثها عن داعش إلى العراق، لتؤكد كلاماً سمعته عن أن «المالكي هو من أصدر قراراً بالتراجع، والسماح لداعش بالبطش في ثاني أكبر المدن العراقية». تقول إن «هذه استراتيجية إيرانية هدفت إلى إظهار مدى الخطر الذي يمثله داعش، واستجداء تحالف غربي معها عنوانه محاربة الإرهاب. هذا بالتحديد ما يريده حزب الله من فريقنا، أن نلجأ إليه لحمايتنا تحت عنوان محاربة داعش، وهو ما لن يحصل أبداً».