صباح 8 آب لا يشبه غيره من الصباحات في الرزنامة «الآذارية». «رجع سعد». غطّ فجأة في السرايا الحكومية ليبلغ رئيس الحكومة، النائب في كتلته، «تمام بيك»، أنّ المليار دولار صار في جيبه، ومستعد لتقديمها للمؤسسات الأمنية وفق توصية المملكة، على أن تصرف وفق الآليات الدستورية.
بدت ابتسامة طفولية تملأ عينيه لحظة دخوله باحة «الدارة ـ الجارة» لقصره. لا يبحث بين الوجوه عما هو مألوف، وكأنه يريد تقبيل كل من يصافحه أو يبتسم له. كلّ من حوله مذهول برؤيته، وكأنه لا يصدق المشهد أو يحتاج للاستعانة بـ«إصبع توما» كي يسقط الشك من نفسه.
حتى من بلغه الخبر من الحلفاء عبر «الرسائل الصغيرة» أو عبر الهاتف، راح يدقق في «ما ورائيات» هذه العودة المفاجئة. هل هي نهائية أم مجرد زيارة تنتهي صلاحيتها مع صرف المكرمة السعودية؟ ما هي ارتباطاتها؟ إلى أي مدى ترتكز على دعائم متينة من شأنها أن تبدّل في المشهد الداخلي؟ أم هي متفلّتة من عنصر المتغيرات الإقليمية؟ هل من تسوية سبقتها.. أو قد تليها؟
ماذا بعدها؟ سؤال جوهري عمّم نفسه على كافة المحاور. الصديقة والخصمة. طبعاً، وقْع «عودة الشيخ» على الحلفاء كان أكثر صخباً، من أي فريق آخر. هؤلاء يعانون «اليتم» مذ أن قرر «الزعيم» أن يخلع الجاكيت.. ويقفل الستارة. غادر الرجل ولم يعد الا بعد ثلاث سنوات.
لم تنفع النداءات المتكررة من «الرفاق» لدفعه إلى حجز بطاقة الإياب، ولا شكواهم المستمرة من تراجع الوضع الجماهيري، ولا من «فقر الحال»…
الموانع التي تحول دون وجوده بينهم، بقيت ملكه وحده، إلى أن قرر أن يحط بطائرته في مطار رفيق الحريري، بقرار مفاجئ شبيه بذلك الذي حمله إلى منفاه الطوعي.
بتقدير إحدى الشخصيات الآذارية فإنّ عودة الشيخ لم تأت من فراغ. ليس بمقدور عنوان «المليار دولار» أن يجيب على السؤال الكبير. وفق الشخصية المعنية فإنّ ثمة اعتبارات سياسية وأمنية هي التي أملت عليه أن يوضب حقائبه السياسية.
وبالتالي، لا يمكن للقرار المعاكس أن يحصل لولا متغيرات ما طرأت على المشهد الإقليمي وليس الداخلي، من شأنها تحرير الرجل من الحواجز السياسية والأمنية.. من دون أن يعني ذلك أنّ ثمة صفقة أو تسوية جرت حياكتها بأنامل خارجية وأطلقت «سراح» الشيخ المنفي.
ولهذا يفترض أن تشهد الساحة الداخلية حراكاً نوعياً يتناول بشكل خاص الاستحقاقات المنتظرة، من رئاسية ونيابية وحكومية، وسيكون مرآة هذه المتغيرات الخارجية التي أعادت «نجل الشهيد» إلى بيت الوسط.
في المقابل، يجزم «حريريون» بأنّ الهبة السعودية هي وحدها التي حجزت بطاقة العودة لسعد الحريري. لا تسوية سبقتها ولا أخرى محسومة، قد تلحقها، لا سيما وأنّ قوى «14 آذار» ليست مسؤولة بنظرهم عن تعطيل الانتخابات الرئاسية لأنها تقوم بواجبها في المشاركة في الجلسات الانتخابية، مع تأكيدهم أنّ يدي الرجل ممدودتان للتعاون مع أي فريق وفقاً لخارطة الطريق التي رسمها في خطابه الرمضاني.
مع ذلك، فإنّ تماسك الصفّ الآذاري هو أكثر ما يتبادر إلى أذهان أبنائه. وجود «الشيخ» في بيت الوسط سيعيد ضخّ بعض الأوكسيجين في عروق هذا الفريق، الذي شعر في كثير من المحطات أنّه أصيب بالشيخوخة المبكرة، لا سيما بعدما تيقّنوا أنّ «العودة نهائية»، وفق ما جزم أمامهم، على أن يكون جدول أعمال المرحلة المقبلة قائما على أساس:
تفعيل خط «الاعتدال»، العمل تحت سقف الدولة لمواجهة الإرهاب، السعي لإقفال الحدود مع سوريا من الاتجاهين، وإيجاد حلّ لمسألة اللاجئين.
وترأس الحريري بعد الظهر اجتماعاً موسعاً ضم أعضاء كتلة «المستقبل» النيابية والمكتب السياسي لـ«تيار المستقبل» والمجلس التنفيذي في «التيار». وكان لافتاً أن الرئيس فؤاد السنيورة جلس إلى يمين الحريري في حين جلس وزير العدل أشرف ريفي إلى يساره، بينما جلس وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى جانب السنيورة على يمين الحريري الذي أكد أنّ «دور التيار هو حماية الاعتدال ومنع التطرف من التمدد والانتشار، وما يهمني التركيز عليه هو دور تيار المستقبل ومنع كل محاولة لإشعال الفتنة لا سيما وان تأجيج التعصب لا يؤدي الى اي نتيجة».
وقال: «ليس لدينا خيار لتشكيل ميليشيا، أو حمل السلاح بوجه سلاح أحد. خيارنا هو دعم الدولة ومساعدة الجيش والقوى الأمنية بمعزل عن بعض الاخطاء التي ارتُكبت من هنا او من هناك. فإذا كان حزب الله يرتكب اخطاء بحق لبنان فهذا لا يعني ان نرد عليه بأخطاء مماثلة، أو أن نلجأ إلى كسر شوكة الدولة وهيبتها».
وأكد أنّ «الاذى وقع على الطائفة الشيعية من خلال موجة التفجيرات التي ضربت الضاحية والجنوب والبقاع، وكانت بمثابة ردة فعل على تدخل الحزب في سوريا. كذلك فإن حزب الله ألحق الاذى الشديد في العلاقات بين المسلمين من خلال تدخله في سوريا، وعرّض الجيش والقوى الامنية لاعتداءات من قبل المجموعات الارهابية».
واعتبر أنّ «خطر الارهاب جدي ومصيري واي تهاون في مواجهة هذا الخطر يعني فتح الباب امام الفتنة وامام نهاية لبنان»، مشيراً إلى أنّ «الوقت ليس للمزايدات السياسية او للتشكيك بالدولة واطلاق الخطابات الشعبوية لان المرحلة حساسة وتحتاج كلاما وتصرفا مسؤولا، وتتطلب تكاتفا حول دور الدولة ومنع سقوط المؤسسات الامنية والعسكرية».
ثمّ ترأس اجتماعاً موسعاً لقوى «14 آذار»، أكدت في بيان بعده «تمسكها الكامل بالدولة، وبكافة مؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية»، وطالبت «بضبط الحدود اللبنانية السورية من خلال نشر الجيش، مدعوما بقوات الأمم المتحدة، كما يتيح القرار 1701».
وشددت على أن «ضبط الحدود بكل الاتجاهات لا يكتمل إلا بانسحاب حزب الله الفوري من القتال الدائر في سوريا، منعا من تكرار ويلات تهدد لبنان وأمنه، كما حصل في بلدة عرسال الصامدة ومحيطها».