لم يكُن فريق 14 آذار يحلُم بأكثر ممّا قدّمه إليه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من «زلّات سياسية» خلال زيارته إلى فلسطين المحتلة. كل خلاف بين طرف لبناني وحزب الله هدية إلى هذا الفريق، فكيف إذا كان هذا الطرف هو بكركي؟ برغم ذلك، لم يحرك 14 آذار ساكناً بعد لاعتقاده بأن الخلاف لن يتطوّر
على عكس ما جرت العادة، لم يستثمر فريق 14 آذار، أقلّه حتّى اللحظة، المواقف التي انتقدت زيارة البطريرك بشارة الراعي لفلسطين المحتلة للتصويب على حزب الله لسببين، تختصرهما مصادر الأمانة العامة بالقول: «أولاً، إننا لا نرى في جدول أعمال البطريرك فعلاً صائباً لجهة لقاءاته باللبنانيين الفارين إلى إسرائيل»، وثانياً «لأن فريقنا مقتنع بأن حزب الله لن يجازف بعلاقته مع بكركي التي يحتاج إليها كغطاء ماروني في عدد من الاستحقاقات، على رأسها الاستحقاق الرئاسي».
بعبارة أوضح، تقنع الأمانة العامة نفسها بأن «الحزب رح ينسالو ياها».
من يراجع بيانات الأمانة العامة الأسبوعية التي صدرت خلال الزيارة يمكنه التنبّه الى نقطة أساسية، وهي عدم التطرّق إلى موضوع الزيارة لا سلباً ولا إيجاباً. الأمر كان مقصوداً طبعاً. فضّلت الأمانة «النأي بنفسها عن الموضوع، واختارت لقاء سيدة الجبل ليكون بديلاً عنها في تناول الزيارة» كما تؤكّد مصادرها. حتى لقاء سيدة الجبل تناول الحدث من «باب التضامن مع زيارة البابا التي تؤكد حق الفلسطيني في دولته والاسرائيلي في دولته»، ومن ضمنها مشاركة الراعي التي رأى فيها اللقاء «دعماً لصمود أهلنا في الأراضي المحتلة». أتى هذا الدعم للراعي قبل أن «يفاجئنا الأخير بخطوات لم يسبقه إليها أحد، ولا حتى البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، الذي شاب علاقته بحزب الله الكثير من البرودة»، كما أكدت المصادر. مع ذلك ترفض الأمانة العامة «مقاربة الموضوع من زاوية سياسية»، ولا تزال تصر على أن «الزيارة كسرت في مكان ما عملية احتكار القدس»، لكن ذلك لا يمنعها من انتقاد بعض «الشطحات التي قام بها، وتحديداً لقاءاته بعملاء لحد»، التي وصفتها بالمصادر «بالخطوات غير المدروسة». فهي «فاجأت فريق 14 آذار بالقدر الذي صدمت به فريق الثامن من آذار». تشرح هذه المصادر حديثها من باب أن «الخطاب الذي أدلى به الراعي خلال لقاءاته مع لحديين لم يكن جديداً، لكنه كان فجاً، إذ إن أياً من السياسيين اللبنانيين الذين تناولوا ملف الفارين إلى إسرائيل لم يناقشه بطريقة استفزازية كما فعل البطريرك».
تدخّل الآذاريين لنيكون دفاعاً عن الراعي بل عن مكانة الصرح
حتّى «ممثل صفير المطران مارون صادر، الذي ألقى كلمة باسمه خلال مأتم العميل عقل هاشم، أكد أنه حضر لأن هاشم ماروني»، الا أن «الراعي أسقط صفة الرعوية عن زيارته، عندما تحدث مع اللحديين بلسان سياسي، والأخطر أنه أسقط عنهم صفة العمالة».
طبعاً، لا تستطيع الأمانة العامة الخروج بهذا الموقف علناً حتى لا تفتح باباً للصراع مع بكركي هي في غنى عنه، لكن يبقى السؤال هل ستقف على الحياد إذا تدهورت العلاقة بين بكركي وحزب الله، من باب أنها هي أيضاً تلاقي 8 آذار في بعض تحفظاته، أم أنها سترسم خريطة طريق جديدة للعلاقة مع بكركي، بعدما عكرتها تصريحاته بشأن حزب الله وسوريا سابقاً، مستغلّة تطوّر الخلاف مع الحزب في حال حصوله؟ من هذه الناحية تبدو الأمانة العامة «مرتاحة على وضعها». هي «لا تجد نفسها مضطرة الآن إلى رفع سقف خطابها للدفاع عن البطريرك الراعي». حتى الآن لا شيء خطيراً يستوجب منها ذلك. بحسب قول أحد أعضائها «لن يفتح حزب الله معركة مع بكركي، وخصوصاً أنه جهد في تحسين علاقته مع هذا الصرح، بعدما قاطعه لفترة طويلة في عهد صفير».
وبالتالي «للحزب مطالب سياسية من بكركي سيسعى إلى الحصول عليها كتعويض عن الخطأ الذي ارتكبه الراعي خلال زيارته». وهذه التعويضات «ليست خافية على أحد، وهي ليست له، بل لحليفه المرشح الرئاسي العماد ميشال عون». ورأى عضو الأمانة العامة أن «الحزب سيلجأ إلى التغاضي عما حصل في سبيل تحقيق ما يخطط له منذ فترة، وهو لن يجازف بغطاء بكركي حالياً، وسينسى ما قام به الراعي، أقلّه حتى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية».
كل ما سبق لا يعني أن الأمانة العامة ستبقى صامتة. هي «ستراقب سير العلاقة بين الراعي وحزب الله في الأيام المقبلة»، بحسب ما تشير المصادر. تؤكد أن «الأمانة بمجرد أن ترى تدهوراً للعلاقة بين الطرفين ستدخل مباشرة على الخط للوقوف في وجه الحملات التي يمكن أن تتعرض لها بكركي». تدخل الآذاريين «لن يكون دفاعاً عن شخص الراعي، بل عن مكانة الصرح البطريركي، الذي يُعد مرجعاً وطنياً وتاريخياً».